عدت مؤخرا من رحلة إلى أسيوط، وبطبيعة عملى في ملف الحوادث، تعودت على معرفة التفاصيل الدقيقة التي يراها الآخرون مملة وغير مفيدة، ولأن عملى ارتبط لنحو عقدين من الزمان بالشرطة، أصبحت أحب هذا الجهاز بمختلف قطاعاته من ناحية وأحرص على متابعة نشاطاته في كل مكان أزوره، ولأن في أسيوط بلدى يختفى الإرهاب تماما لأن المواطنون هناك لا يقبلون بوجود من يفكر في فرض السيطرة عليهم أو يرهبهم بطبيعة الحال، يبرز دور المباحث العامة.
الحق أقول عندما تواجدت في مسقط رأسي وهو قرية الزرابي التابعة لمركز أبوتيج تجمع عدد كبير جدا من الأهالي لتقديم الدعم في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الفاضلة أمى، في هذه المناسبة سمعت كثيرا جدا عن نشاط وحسم رئيس المباحث، وكيف أن الرجل بمجرد تسلمه المهمة لم يهدأ وكيف يطارد المجرمين ليل نهار وكيف يدخل خلفهم الزراعات دون تردد، وهو أسلوب غير معتاد ذلك أن الذرة مثلا وهى مرتفعة عادة ما يختبئ فيها الأشرار إما هربا من الشرطة أو تربصا بمن يريدون قتلهم أو سرقتهم.
للوهلة الأولى خشيت على الضابط من المخاطر، لكنى سألت الأهالى: هل رئيس المباحث هذا ومعاونوه يتعاملون بقسوة مع المسالمين ؟ فأجابوا: ولا حتى يتحدثون إليهم بكلمة تؤذيهم؟ وسالت أشرار : هل حين قبض عليكم أهانكم وتعدى عليكم؟ فأجابوا بالنفى.
أنا أصدقكم القول حين أقول: شعرت بسعادة غامرة، فالضابط حين يكون قويا ويقظا يحقق الأمن للمسالمين، فضلا عن رضا أهالى الدائرة الذين لا يخالفون القانون أما هؤلاء الذين يعيثون في الأرض فسادا فلا أكترث بهم ولا أعتبرهم حتى من بنى البشر.
لا أقصد بطبيعة الحال الإشادة بالضابط أحمد على هنا، هذا مؤكد، لكنى اعتدت في مقالاتى أن أدلل بنموذج تمهيدا لما سيأتى ذكره.
سألت مصادرى عن سبب الطفرة في أداء رجال المباحث على مستوى محافظة أسيوط، فعلمت أن اللواء أحمد جمال مدير أمن أسيوط، واللواء توفيق جاد مدير المباحث الجنائية وبحضور العميد أحمد البديوى ورؤساء الأفرع أصدر تعليمات مشددة لرؤساء ومعاونى المباحث في أرجاء المحافظة، تستهدف القضاء على الأسلحة غير المرخصة وجريمة الثأر والسرقات في أسرع وقت، مع إنهاء الخصومات الثأرية الضاربة في عمق التاريخ منها والمستحدثة.
وكانت النتيجة رائعة، فلا سرقات إلا في أضيق الحدود يتبعها قبض على اللصوص ومحاكمتهم وفقا للقوانين، ولا ظهور للأسلحة النارية في الأفراح أو الطرق، ولا خطف لأطفال، الشعب يعيش في أمان حقا، ورجال الشرطة يواصلون الشقاء، إنهم رجال يستحقون كل التقدير والامتنان، وهم يواصلون الليل بالنهار في العمل، لا يشاركون أسرهم وذويهم المناسبات السعيدة إلا إذا واكبت راحاتهم الشهرية، وحتى الراحة قد يحرمون منها إذا وقعت جريمة قتل مثلا.
في تصورى انا المواطن أعتبر قوة الشرطة كالماء والهواء، فقوتها مصدر الأمن والأمان ولا حياة بلا أمن أو أمان، الشرطة حين أضيرت في 2011 دفعنا ثمنا غاليا، كلنا دفعناه بلا أدنى شك ولم يعد لدينا القدرة حتى في التفكير في الحياة بلا شرطة تحمى جبهتنا الداخلية ، وهى بفضل من الله عادت لكامل قوتها وأكثر مسلحة بالإيمان والثقة والتكنولوجيا، لتحفظ لنا تماسك جبهتنا الداخلية ويحفظ جيشنا حدودنا ومقدراتنا وعاشت مصر في عزة وقوة وستر، حفظ الله جيشنا وشرطتنا، والله من وراء القصد.