ممكن ترسمنى.. ما من جملة أسعدت الرسامين وزينت مسامعهم بالعذوبة ورضا النفس وإشباع الذات بالإبداع الفني مثل هذه الجملة، فما من فن استطاع أن يطفو فوق بحر السعادة مثل فن رسم الشخوص أو تجسيد الشخصيات بالرسم أو ما يطلق عليه عالم الفن والفنانين البورتريه، تشير دراسات النفس البشرية أن الإنسان المفعم بالحس بسعد برؤية بني جنسه مرسومين على ورق أو منحوتين على مجسمات.
ففن البورتريه فاقت مكانته مثلا منزلة فن الكاريكاتير في الصحف والمجلات، ولكن سرعان ما اختفى بعدما رفعت راية الإخراج الصحفي شعار انقراض الرسم الصحفى، بصرف النظر عن الجوانب الاقتصادية ولكن ناتج عن الذوق العام فعلى الرغم من أن هذا الفن هو الأقرب إلى ذوق المشاهد، أيا كانت خلفيته الثقافية، فما من شخص يقدر أهمية الرسم إلا ووقف مبهورا أمام صورة رجل أو امرأة أو طفل وما من رسام إلا وقد سمع : "صورتك جميلة" فالجمال وليد النفس البشرية المستقرة منذ قديم الزمان، ففن البورتريه لم يكن من الفنون الإبداعية الحديثة أو مولود بعد مخاض حضارة حديثة أو من رحم ثورة إصلاح مجتمعية.
البورتريه فن فرض نفسه بقوة على أعمدة المعابد وجدران المقابر الفرعونية القديمة، استخدمه المصري القديم في تزيين جداريات الحضارة، دون التركيز على إظهار ملامح وتجاعيد الوجه فحسب، بل اهتم بتفاصيل الجسد كاملا، حيث يكشف الرسم عن الجانب الفسيولوجي للجسد إن كان مصابا أو معافى وإن كان سمينا أو ممشوق القوام، فرسم الشخوص عند الفراعنة كان بمثابة نواة ذلك الفن الإبداعي وإن كان العبقري الفنان الإيطالي "ليوناردو دافنشي" المتوفي في 1519 هو الأب الشرعي لهذا الفن القيم.. أعلم عزيزي القارئ أنك تنظر للتاريخ بعين الغرابة وإن كنت تعض على شفتيك من طول المدة، وبعد تاريخ وفاة دافنشي، وعلى الرغم من ذلك مازال اسمه يتردد على مسامع أجيال متعاقبة، وأثرت لوحاته الفن، وتعلم منها فنانون عاشوا وماتوا منذ قرون، نعم الفن المؤثر باقٍ مهما تسارعت الأيام ومرت السنوات، فالبقاء في الفن للأروع والأكثر تأثيرا.
نعلم أن دافنشى هو صاحب لوحة الموناليزا الشهيرة التى صنفها أهل الاختصاص من النقاد والفنانين على مختلف الثقافات والعصور كأفضل نموذج لفن البورتريه، فيها استطاع دافنشي أن يغوص في التفس البشرية ويعبر عما بداخلها بالرتوش التى تفوح بأريج الروح، أما في العصر الحديث بعد أن فرضت برامج الفوتوشوب سيطرتها وأصبح الرسم الإلكتروني وتطبيقات التلوين إحدى أهم أدوات الرسام، وعلى الرغم من مجسمات اللوحات ثلاثية وخماسية الأبعاد، ذات الألوان الذاهية إلا أنها فقدت التزيين بحلاوة روح الرتوش، ففن رسم الشخوص أو البورتريه في مصر على وجه الخصوص شهد تراجعا ملحوظا لأسباب أهمها الاستسهال الذي وفرته التكنولوجيا من برامج وتطبيقات، وبعد المؤسسات الفنية عن تشجيع الرسامين وإقامة المسابقات والجوائز، أو لعدم توافر مبدعين يقدرون الفن ومن ثم يرصدون مبالغ مالية للتشجيع، أو قلة الزوق العام لتذوق الفن، أو تعكر المزاج وتلوث المشهد البصري.. الفن والهوية البصرية جمال وإبداع تتوارثه الأجيال ويرسخ هوية الدولة والمواطن..
أقول لكم شجعوا أولادكم على الإبداع بعيدا عن التطبيقات الجاهزة كى لا يصبح تفكيرهم استهلاكي وغير محفز على الذكاء، أجلبوا لهم الورق والألوان وامنحوهم فرصة كى يرسموكم ويلونوا حياتهم.