الطيبون يرحلون سريعًا من الدنيا، ندرك لاحقًا أن هؤلاء الطيبين ما قدموا إلى هذه الدنيا إلا ليتركوا لنا سيرة طيبة وذكرى جميلة، نستذكرها أبدًا ما دمنا فيها.. يقول قائل: الطيبون مثل الريح الطيبة، رائحتهم كالمسك وملمسهم كالحرير.
الطيبون ينتشرون في كل شوارع مصر، نعم جميعنا يعلم ذلك!، ندرك أيضا أنه عندما تغيب هذه الطائفة، تغيب معها «البركة »، "أي والله تغيب البركة"، أصبحنا الآن وفى زمننا هذا نتحسسها، في الوقت والصحة والمال والأولاد والقائمة تطول، إذن !! .."الطيبون" هم كلمة السر.
شارعنا مثل أى شارع في مصر، به الكثير من الطيبين، لكن حالة الحزن التي شهدها شارعنا بعد أن فارق «عادل» "من ذوى الهمم" الحياة، كان ذلك كفيل ليؤكد لنا أن "أطيب الطيبين" قد رحل عن عالمنا، بعد أن لامس قلوب الصغير قبل الكبير، بل تخطى ذلك إلى كل أهل البلدة التي خرجت عن بكره أبيها لتودعه إلى مثواه الأخير.
"عادل" رحمة الله عليه وبركاته، ظل علامة "جميلة" من علامات شارعنا، بل تخطى ذلك إلى قريتنا "طناش"، طوال أكثر من أربعون عاما، أحسست وأنا أترجل في شارعنا بالأمس وهو اليوم الأول لوفاته أن أنوار البركة قد انطفأت وذهبت إلى أدراجها في مكان بعيد..فالشارع لم يعد هو الشارع.
كنت وما زلت على يقين تام بأن الراحل أحد أسباب السرور والسعادة والبركة التي حلت في بيوتنا طوال كل هذه السنوات، وأيقنت الآن أيضا أن الأيام المقبلة لن تحمل معها بشائر وخيرات تعودنا عليها سنوات عديدة.
رحل "عادل" عن عالمنا، تاركًا خلفه سيرة عطرة طيبة، حُب قل وجوده في زمننا هذا، رحل "عادل" بجسده، لكنه لن يرحل عن قلوبنا، لن ننساه ما حيينا .. سنظل نتذكره أبدا أبدا ما دمنا فيها.
يقول الشاعر
دَعِ الدَهــرَ يَـفـجَـع بِـالذَخـائِرِ أَهـلَهُ
فَـمـا لِنَـفـيـسٍ مُـذ طَـواكَ الرَدى قَـدرُ
تَهــونُ الرَزايــا بَــعـدُ وَهـيَ جَـليـلَةٌ
وَيُـعـرَفُ مُـذ فـارَقتَنا الحادِثُ النُكرُ
فَـقَـدنـاكَ فِـقـدانَ السَـحـابَـةِ لَم يَزَل
لَهـا أَثَـرٌ يُـثـنـي بِهِ السَهـلُ وَالوَعرُ
مَـــســـاعـــيـــكَ حَــليٌ لِلَّيــالي مُــرَصَّعٌ
وَذِكــرُكَ فــي أَردانِ أَيّــامِهــا عِــطــرُ
فَــلا تَــبــعَــدَن إِنَّ المَــنِـيَّةـَ غـايَـةٌ
إِلَيـهـا التَناهي طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ