سارة درويش

قطط إنقاذ

السبت، 14 يناير 2023 02:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا شيء يبعث في نفسي البهجة والطمأنينة بقدر مشاهدة مقاطع فيديو أو صور لحيوانات أليفة آمنة في مكانٍ ما، وتحظى بما تستحقه من رعاية وحب، يزداد شعوري بالدفء حين تكون الصورة في بيت، ويتضاعف حين يصاحبها تعليق يشير إلى أنها "قطة إنقاذ" أو "كلب إنقاذ". هذا التعليق الذي يشي بأن وراء هذا الصغير الآمن قصة طويلة، ومعاناة انتهت، وإلى أن هذا الصغير المقاتل صمد في ظروف سيئة حتى كتب القدر لمعاناته النهاية السعيدة، أو للدقة البداية السعيدة التي حظي فيها بحياة جديدة وبيت.

يصاحب الابتسامة الصغيرة التي ترتسم على وجهي حين أصادف مثل هذه الصور لحيوانات الإنقاذ الكثير من الامتنان لليد الحانية التي أراد لها الله أن تلعب دورًا في هذه القصة السعيدة وتمتد لانتشال الصغير ومساعدته وحمايته؛ ولكنني مؤخرًا أدركت أن أصحاب هذه الأيدي الحانية ليسوا فقط أبطالاً وإنما أيضًا محظوظون، فبشكل ما، كل حيوان أليف هو في الحقيقة "حيوان إنقاذ"، ينقذ أصحابه من التعاسة والوحدة والاكتئاب وأحيانًا من الموت! نسمع أحيانًا عن قصص مبهرة لحيوانات أنقذت حياة أصحابها حين تنبهت لخطرٍ محدق. كان آخرها تلك القصة المتداولة على فيسبوك عن قط ضئيل كان يرتجف في البرد والمطر. أشفقت عليه امرأة وحيدة فاستضافته في بيتها، وفي الليلة نفسها أنقذ حياتها حين أيقظها مواءه من نومها العميق لتكتشف أن هناك تسريب غاز من الموقد، كان من الممكن أن يسلبها حياتها وهي نائمة. هكذا أنقذها الصغير في نفس الليلة التي أنقذته فيها. لم تتأخر المكافأة كثيرًا فكانت الرسالة واضحة وبليغة. ولكن الأثر المبهر لا يكون دائمًا بهذا الوضوح رغم أنه دائمًا بهذا العمق والأهمية، ففي أيام انكساراتنا وخيباتنا وإحباطنا، وحين نفتقد دعم المحيطين بنا لأنهم خذلونا أو ببساطة لأننا نخجل من طلبه، يمنحنا هذا الحيوان الأليف السبب الوحيد الذي نستيقظ لأجله في الصباح التالي. يدفعنا بمزيج من المحبة والمسئولية تجاهه إلى مغادرة السرير ومن ثم تصبح بداية اليوم الصعبة أسهل قليلاً، وينقذنا الانخراط في ذلك الروتين الخاص به تدريجيًا من الغرق في دوامة الاكتئاب لدرجة تمنعنا من القيام من مهام حياتنا اليومية.

صادفت منذ أيام تغريدة على موقع تويتر تسأل المتابعين من أصحاب الحيوانات الأليفة أن يشاركوا قصصهم وكيف أثر حيوانهم الأليف في شخصيتهم أو حياتهم ونفسيتهم. وانهالت الردود بعشرات القصص والصور الحقيقية لـ"حيوانات الإنقاذ". هناك من تحدثت عن قط أنقذها في الغربة من الاكتئاب والوحدة في بلد غريبة لا تعرف فيها أي شخص، وكانت لأجله تتوق لتلك اللحظة التي تدخل فيها البيت فيمتص بمحبته كل شعورها بالتوتر والقلق والوحدة. وهناك من تنقذها قطتها حين تباغتها نوبات الهلع، حيث تحضنها فتهدأ وتتمكن من التنفس بانتظام وتتغلب على النوبة. وهناك من ساعدتها القطة على أن تعبر عن الحب ببساطة أكبر وتعبر عن مشاعرها بشكل أسهل. ومن أنقذه كلبه من الاكتئاب بعد أن خسر عمله وقت أزمة كورونا، ومنحه السبب لأن يقاوم إحباطه ويحاول مرة بعد أخرى أن يجد عملاً ليضمن أن يتمكن من توفير احتياجاته ويحتفظ به. ومن كان قطه هو الرفيق الوحيد له أيام مرضه بكورونا واضطراره لعزل نفسه منفردًا.  

الونس، الحب غير المشروط، القدرة على التعبير عن الحب، المرح، تخفيف التوتر، الشعور بالمسئولية، وغيرها من الأسباب التي تحدث عنها المشاركون في قصصهم عن تأثير الحيوانات الأليفة ومحبتها في حياتهم، كلها احتياجات نفسية مهمة ومشاعر أحيانًا لا يحالفنا الحظ في وجود من يلبيها، ولكن "حيوانات الإنقاذ" موجودين دائمًا لتقديمها بلا شروط، ويفعلون ذلك كل يوم في عشرات القصص التي تذكرت حين قرأت بعضها تعليق سيجموند فرويد على انتحار الرسام الهولندي العالمي فان جوخ: "كان من الممكن أن يعيش أكثر لو أنه وجد الحب!".

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة