حذر مرصد الأزهر من استهداف البنيان الأسري مؤكداً أن استقرار الأسرة يحمى أفرادها من التطرف حيث أوْلَت مختلف الشرائع السماوية الأسرة عناية خاصة، وذلك لمركزية الأسرة في المجتمع الإنسانى، وأهميتها في نهضة الأمم وتأسيس بنيانها الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي. فلا يمكننا تصور مجتمعًا بدون وجود أسر متآلفة ذات بنيان مستقر وآمن لأفرادها سواء الزوج والزوجة أو الأطفال، فلا يخفى على أحد أن استقرار الأسرة عامل رئيس في تنشئة أطفال أسوياء يمتلكون القدرة على دفع عجلة التنمية والبناء في بلدانهم. من هنا جاء اهتمام الإسلام بضوابط تأسيس الأسرة باعتبارها أحد وجوه إعمار الأرض. وقد نظم الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة وأعطى لكل منهما الحقوق، وفرض عليهما الواجبات، دون تمييز أو إهدار لحق طرف على حساب الآخر، انطلاقًا من كون تكاملية العلاقة بين الزوج والزوجة، فكلاهما سكن للآخر بمعنى الاحتواء والاهتمام والاستقرار النفسي.
واضاف في بيان له ،انه لا يمكن أن تقوم الأسرة السوية تلك اللبنة الأولى في تكوين المجتمع بزوجة مهضوم حقوقها، ولذلك وُضعت الضوابط الشرعية التي تحفظ حق المرأة سواء كانت زوجة أو ابنة أو أخت أو أم، وجميع تلك الصور تتشكل منها الأسرة التي يقاس مدى قوتها وتماسكها بحفظ ومراعاة الحقوق والواجبات بين أفرادها حتى بعد الممات. فالالتزام بتلك الحقوق والواجبات بين الطرفين كفيل بتأمين السعادة الداخلية والسلامة من المشكلات التي تعوق رسالة أفرادها في الحياة. إلا أن قدسية تلك العلاقة الإنسانية، تتعرض للانتهاك من جانب غير المختصين بشؤون الأسرة، فقد طل هؤلاء علينا بعبارات ومفردات جديدة وفكر يمكننا وصفه بـ"المتطرف"، بهدف إعادة تشكيل تلك العلاقة وفق الأهواء الشخصية لهؤلاء الدخلاء على الأسرة، لا وفق الضوابط الشرعية والاجتماعية الصحيحة، ومع تعدد وسائل إيصال تلك الأفكار ما بين وسائل الإعلام التقليدية كالتلفاز أو الوسائل الحديثة كمنصات التواصل الاجتماعي في البيوت، وجدت هذه الأفكار منفذًا إلى العقول وكذلك وجد آذان تصغى إليه وتتداوله كأنه قاعدة صحيحة يجب على الزوج والزوجة الالتزام بها، حتى وإن أدى ذلك إلى تخريب العلاقة بينهما وإفساد حياتهما الزوجية.
وتسائل المرصد كيف يتحقق السكن الذي من أجله وجد الزواج في تلك الحالة ؟! كيف يمكن للإنسان أن يكون مستقرًّا نفسيًّا وهو يعيش في حلبة نزال بين رغبته في تحسين علاقته بالطرف الآخر وبين فكر دخيل عليه يحذره من غدر هذا الطرف له في أية لحظة أو يرسم له خريطة التعامل مع الطرف الآخر؟! لذا عني مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالحفاظ على الإنسان باعتباره الأساس في المجتمع، فاستقراره النفسي والاجتماعي بلا شك كفيل بحمايته من الفكر المتطرف، وهذا ما ناقشه المرصد في إصداراته المتنوعة التي أبرزت دور الأسرة في حماية الإنسان من التطرف في حال استقرارها والعمل على تنشئة أطفالها بشكل صحيح.
ومع ما رصده المرصد مؤخرًا من نماذج فكرية لا تمت بصلة لقوام الأسرة الصحيح، نقول: إن التصدي للجانب التوعوي والتثقيفي الخاص بالأسرة أمر له قواعده وشروطه أولها أن يصدر من المختصين بهذا الأمر سواء على الجانب الديني، أو على الجانبين الاجتماعي والسلوكي. ويعد الإعلام أحد المؤسسات المعنية ببناء الوعي الصحيح بما يقع على عاتقه من مسؤولية مجتمعية وأخلاقية، وهو ما يفرض على العاملين بالحقل الإعلامي انتقاء الرسائل الموجهة إلى المتلقي خاصة فيما يتعلق بشؤون الأسرة.
وحذر المرصد من الانسياق وراء النصائح الوهمية البعيدة عن الشرع والأسس الصحيحة لبناء الأسرة، فتلك النصائح في الحقيقة تخلو من الحكمة ولا تحمل في طياتها سوى انعكاس واضح لأهواء شخصية غير مسؤولية، ويؤكد مرصد الأزهر أن الرجوع إلى المؤسسات المعنية بهذا الشأن قادر على حماية البنيان الأسرى وتنظيم العلاقة بين أفراده بما يحفظ مشاعر الود والاحترام بينهم.