تواجه الدول الأوروبية عاصفة من الديون وذلك وسط أزمة اقتصادية عميقة مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ومع ارتفاع أسعار الفائدة وبدء البنك المركزى الأوروبى فى خفض ميزانيته العمومية أصبح هناك آثار غير مرغوب فيها بالنسبة للبلدان ذات الديون المرتفعة بشكل خاص.
ألمانيا
تسجل ألمانيا مستوى قياسيا من الدين العام فى 2023 للتخفيف من أزمة الطاقة، حيث أنه سيتم استخدام القروض لتمويل إجراءات المساعدة والإعانات للأسر والشركات، التى واجهت ارتفاعا حادًا فى تكلفة الكهرباء منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وأشارت صحيفة "لابانجورديا" الإسبانية إلى أن المديونية سترتفع من 449 مليار دولار إلى 573 مليار دولار فى العام الجارى، وفقا للخطة التى نشرتها الوكالة المالية الألمانية وأصدرتها وكالة بلومبرج.
إيطاليا
وأصدر البنك المركزى الإيطالى تقرير بأحدث البيانات عن الديون التى تعانى منها البلاد، والتى وصلت إلى 2.77 تريليون يورو، مما أدى إلى إثارة الشكوك لدى المستثمرين والتخلى عن فكرة الحصول على السندات الإيطالية، حسبما قالت صحيفة "الاكونوميستا".
وأعلنت إيطاليا بالفعل أنها سترفع ديونها بنسبة 4.5% فى عام 2023 لتحقيق 30.5 مليار يورو من السيولة من أجل وقف تصاعد أسعار الطاقة، وكانت فكرة الإجراء الذى أعلنت عنه روما هو تخصيص 9500 مليون من تلك الأموال كمساعدات مباشرة منذ نوفمبر الماضى وما يقرب من 21 مليار يورو لمساعدة العائلات والشركات على مدار العام المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن إيطاليا تعيش أزمة دين حقيقى، والوضع أصبح يشبه الأزمة التى مرت بها فى عام 2008، وكان الدين العام فى إيطاليا بلغ 2.679 تريليون يورو فى عام 2021، أى ما يمثل 150% من الناتج المحلى الإجمالى ووضع الدولى بين أكثر الدول مديونية فى العالم إلى جانب دول آخرى مثل اليونان.
ويعتقد الخبراء أن هذه الديون الزائدة هى السبب فى أن تظل سوق السندات متقلبة للغاية بسبب زيادة أسعار الفائدة.
من ناحية أخرى، فإن الاعتماد الكبير للدولة المتوسطية على الغاز الروسى يمثل صداعا يمنعها من حل ديونها المرتفعة. قبل الأزمة، كانت ثانى أكبر مشتر للغاز الروسى فى القارة بعد ألمانيا، لذلك أثر ارتفاع أسعار الطاقة بشكل خاص على اقتصادها، وهو أحد الضحايا الرئيسيين للعقوبات الأوروبية ضد حكومة بوتين بعد حرب أوكرانيا.
أبلغ المعهد الوطنى الإيطالى للإحصاء إيستات ISTAT، اليوم أن التضخم فى إيطاليا بلغ 8.1%، وهو أعلى معدل منذ عام 1985، أى منذ 37 عاما، ووفقا لوكالة "أنسا" الإيطالية فإن السبب وراء ذلك الارتفاع هو الزيادة المستمرة فى أسعار الطاقة.
وأشارت الوكالة الإيطالية إلى أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 8.1%، مسجلة أكبر زيادة منذ عام 1985، ويعود ذلك إلى أسعار الطاقة التى زادت خلال عام 2022 الماضى فى المتوسط بنسبة 50.9% مقارنة بـ14.1% فى عام 2021.
أضاف ايستات أن التضخم المكتسب لعام 2023 (أى متوسط النمو الذى سيحدث فى العام إذا ظلت الأسعار مستقرة طوال عام 2023) يكون زيادة بنسبة 5.1%.
فرنسا
اما فرنسا، فتتخطى الديون الحكومية الفرنسية سقف الـ 3 تريليون يورو، وهو الأعلى فى تاريخها على الاطلاق، وهو ما يمثل 114.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وفقا لمعهد إحصاء إنسى.
وزاد هذا المؤشر، الذى أغلق فى عام 2021 عند 112.9% من الناتج المحلى الإجمالى، مرة أخرى بنحو 88.8 مليار يورو (93.5 مليار دولار) إلى 2.9 تريليون يورو فى نهاية 2022، وذلك مع زيادة الفوائد على خمسين مليار يورو، مما أدى إلى أنه خلال عام واحد، استدانت فرنسا 115 مليار يورو إضافية، وفقا لصحيفة "الاكونوميستا" الإسبانية.
وكانت وكالة "فرانس تريزور" المسؤولة عن طريح ديون الدولة فى الأسواق المالية الفرنسية، أعلنت أنها تعتزم اقتراض 270 مليار يورو (284 مليار دولار)، على المدى المتوسط والطويل فى عام 2023، لتسجل فرنسا بذلك أعلى نسبة اقتراض فى تاريخها.
وقالت الوكالة فى بيان أنه فى العام المقابل، وعلى أساس مشروع قانون المالية المقدم إلى الجمعية الوطنية فى سبتمبر الماضى، والذى تم تحديثه من عمليات استرداد الديون، تبلغ الحاجة المتوقعة لتمويل الدولة 298.4 مليار يورو (313 مليار دولار).
وأضافت أن الحجم يرجع إلى وجود عجز فى الميزانية قدره 158.5 مليار يورو (166 مليار دولار)، ووجود استهلاك فى الديون متوسطة وطويلة الأجل التى تستحق فى عام 2023.
إسبانيا
كما سجلت إسبانيا ارتفاع فى الدين العام بنسبة 5.6%، ووصل إلى 1.505 تريليون يورو، مسجلا أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو ما يمثل 116% من الناتج المحلى الإجمالى، وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن بنك إسبانيا.
وبحسب البيانات التى نشرها بنك إسبانيا، فقد ارتفع الدين العام فى نهاية عام 2022، بنسبة 5.6% مقارنة بعام 2021، وهو ما يمثل زيادة قدرها 79 مليار و227 مليون يورو فى عام، وفقا لصحيفة "الاكونوميستا" الإسبانية.
أما التوقعات للعام الجارى، فتشير إلى معاناة إسبانيا من تضخم بنسبة 4.5% وارتفاع بالأسعار يجعل بعض المنتجات الأساسية بمثابة سلع فاخرة، ويرفع معدلات الفقر، بحسب تقرير شركة "نوربولسا" الاستراتيجية لعام 2023.
كما أعلنت الحكومة الإسبانية إلغاء السندات المكتسبة بالكامل بمجرد تسوية إعادة شرائها، وإغلاقها بخصم 18%، أى ما يعادل السعر النهائى الإجمالى 90.5 مليون يورو، والذى سيتم دفعه بالكامل من أموال الشركة. بعد ذلك، ستبقى سيولة صندوق الاستثمار العقارى فوق 100 مليون يورو.
شركات الطاقة
قفزت ديون شركات الطاقة والمرافق الأوروبية هذا العام إلى أكثر من 1.7 تريليون يورو أى بارتفاع أكثر من 50 % عن ما قبل عام 2020، إذ تعمل الشركات على الاستدانة من أجل تغطية تكلفة ارتفاع أسعار النفط والغاز.
ارتفعت أسعار النفط بنحو 40% منذ بداية العام الجارى، كما أن أسعار الغاز الطبيعى صعدت بنحو 30 %، وذلك وسط أزمة طاقة طاحنة تهدد اقتصادات أوروبا، على خلفية العقوبات المفروضة على روسيا بعد عملياتها العسكرية فى أوكرانيا.
ويرى بعض الخبراء أن جزءا من حل مشكلة الديون الأوروبية سيقع على البنك المركزى الأوروبى الذى سيواصل شراء ديون الدول الأعضاء الهشة ماليا، والامتناع عن رفع أسعار الفائدة.