حالة من التوتر تسيطر على الإدارة الامريكية بعد اعلان وزيرة الخزانة بلوغ الحد الأقصى لسقف الدين فى الولايات المتحدة مما اثار مخاوف من التخلف عن سداد الديون او الاضطرار للتعامل مع تبعات الإجراءات الاستثنائية التي بدات الإدارة بالفعل اتخاذها وسط ترقب لقرار الكونجرس ما اذا كان سيسمح برفع سقف الاقتراض او اذا كان لديه راي اخر.
تستدين الحكومة الأمريكية لتغطية فجوة حجم نفقاتها الذي يزيد عن حجم إيراداتها السنوية، في الاستدانة المنتظمة قبل أكثر من 100 عام، وتحديدا عام 1917 بسبب دخولها الحرب العالمية الأولى بهدف تهدئة الاطراف الذين إما عارضوا دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، وإما لم يرغبوا في اقتراض الكثير لدفع ثمنها.
وبعد ان وصلت الحكومة لسقف الدين او الاقتراض يعني ان وزارة الخزانة ستعاني من نقص في المال، وهذا يعني أنها لا تستطيع تلبية التزاماتها وعلى رأسها المرتبات الفدرالية، أو دفع ثمن المشتريات الحكومية، أو اقتراض المزيد من الأموال.
ولا يمكن للحكومة ان تتخطى السقف الذي حدده الكونجرس الذي رفعه اخر مرة بمقدار 2.5 تريليون دولار في ديسمبر 2021 ليصل الى 31.4 تريليون دولار، ومن الناحية القانونية، يحق للحكومة الفدرالية اقتراض الأموال عند هذا المستوى، طالما أنها لا تتجاوزه.
على مدى العقود الماضية، تجنب الكونجرس رفع حدود الدين العام، لكن الجمهوريين أصحاب الأغلبية في مجلس النواب حاليا قالوا إنهم لن يدعموا زيادة سقف الديون هذه المرة ما لم يتم تخفيض في الإنفاق الحكومي أو يتم الحصول على تنازلات أخرى.
وإذا وصلت الولايات المتحدة إلى سقف ديونها ولم يرفعها الكونجرس، فسيتعين على وزارة الخزانة اتخاذ "تدابير استثنائية" لتجنب كارثة مالية لن تبقى داخل الحدود الأميركية فقط، وهو بالفعل ما بداته حيث قررت اللجوء لاثنين من الخيارات الأربعة المتاحة.
الأول صندوق استثمار الأوراق المالية الحكومية أو G Fundوهو صندوق تقاعد في سوق المال للموظفين الفيدراليين المسجلين في خطة توفير الادخار (TSP) الذي يتم استثماره في سندات الخزينة ذات الإصدار الخاص وبلغ رصيد صندوق G حوالي 210.9 مليار دولار في 31 ديسمبر 2022.
وعندما تعمل الحكومة الفيدرالية عند حد الدين ، فإن وزارة الخزانة لديها السلطة لوقف الاستثمار الكامل في صندوق G من يوم لآخر لمنعه من تجاوز سقف الدين وبعد رفع حد الدين أو تعليقه ، يُطلب من صندوق G أن يكون كاملاً مع الفائدة ، لذلك فإن الموظفين الفيدراليين والمتقاعدين الذين يستثمرون فيه من خلال TSP لن يتأثروا في النهاية على الرغم من المناورات المحاسبية.
والثاني: تعديلات المعاشات الفيدرالية للمتقاعدين وعمال البريد، حيث يمكن للخزانة أيضًا أن تعلن عن "فترة تعليق إصدار الديون" حيث تقوم الوكالة خلالها بتأخير بعض تحركاتها المحاسبية لتحرير السيولة النقدية خلال فترة زمنية محددة. خلال هذه الفترة ، يمكن للوكالة تعليق إجراء استثمارات جديدة واسترداد بعض الاستثمارات الحالية في عدد من المعاشات الفيدرالية.
ومع وصول الرقم الرسمي لوزارة الخزانة الأمريكية لديون الحكومة الفدرالية 31.4 تريليون دولار، هذا يعني ان نصيب كل مواطن أميركي من الدين العام يقترب من 94 ألف دولار ونصيب كل عائلة أميركية من الدين العام يقترب من 239 ألف دولار.
ويبلغ الدين الامريكي أكثر من 6 أضعاف الإيرادات الفدرالية السنوية، ويعادل 125% من الناتج الاقتصادي السنوي.
لم تتخلف الولايات المتحدة قط عن سداد ديونها، لكن وزيرة الخزانة تحذر من أنه إذا فشل الكونجرس في التحرك، فقد يحدث ذلك بحلول شهر يونيو القادم.
وكانت آخر مرة وصلت فيها الولايات المتحدة إلى سقف ديونها عام 2011، وحدثت هزة في الأسواق، وانخفضت أسعار الأسهم، وأثرت سلبا على مدخرات التقاعد للناس، كما كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الحكومة الفدرالية تخفيض تصنيفها الائتماني.
في الوقت نفسه القي البيت الأبيض الكرة في ملعب الكونجرس فيما يتعلق بحل الازمة حيث قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير إن "الكونجرس يحتاج إلى رفع حد الدين دون شروط".
وأشار خبراء اقتصاديين الى ان احتمال تخلف أمريكا عن سداد ديونها او عدم قدرتها على استدانه المزيد سيكن له تبعات خطيرة أولها فزع المستثمرين الذي كان له اثار سلبية سابقا حيث أدى إلى ارتفاع تكاليف اقتراض الحكومة بمقدار 1.3 مليار دولار عام 2011، وإذا فقد الناس الثقة في الديون الأميركية، ينسحبون من أسواق الأوراق المالية، مما يدفع العائدات إلى الارتفاع، وهذا يمكن أن يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع على الاستثمارات الأخرى مثل الرهون العقارية، ويمكن أن يبطئ الاقتصاد إلى حد كبير، ورغم أن التخلف عن السداد قد يكون كارثة اقتصادية أمريكية، فإن تبعاته ستكون لها اثار عالمية.