تتميز مصر عن غيرها من البلاد العربية وبلاد الشرق الأوسط بأشياء كثيره ميزها الله وحباها بها ستظل لها السبق واليد العليا فيها ، ولعل الفنون هي أجمل ما حظيت به مصر على مدار تاريخها ، خاصة القرنين التاسع عشر والعشرين ، وما شهداه من بناء أول أوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط ، والتي افتتحت في أول نوفمبر ١٨٦٩ ، وما تبعها من عروض أوبرا وموسيقى كلاسيك وبالية وعروض مسرحية وحفلات غنائية منتقاة بعناية ، واستمر هذا الحال الراقي في مصر حتى احترقت تلك الدار في ٢٨ أكتوبر ١٩٧١ .
ثم افتتح المبنى الجديد للأوبرا القائم الآن والمعروف في أرض الجزيرة عام ١٩٨٨ ، وقد واكب إنشائه وحتى وقت ليس ببعيد حفلات لفرق عالمية موسيقية وبالية وأوبرا ، واستطاع هذا المكان أن يحافظ على تقاليد الأوبرا ومكانتها الرفيعة ، وألا تقل عروضه وأدائه وتقاليده وإدارته عن أي أوبرا في العالم .
من هذا المركز خرجت أجيال جديدة من موسيقيين وملحنين ومخرجين وفنيين وفنانين ومغنيين أوبرا وراقصي بالية وقادة أوركسترا وجدوا في هذا المكان استمرارا للتقاليد التي تربوا عليها في الكونسرفتوار ومعهد البالية وغيرها من مراكز التعليم الراقية .
لهذا كانت سعادتي بالغة حين علمت أن حفلا افتتاحيا سيقام في المتحف الكبير ، من أبناء الأوبرا ، واعتبرت أن هذه بداية مبشرة تحمل إدراكا لما يجب أن يقدم من فنون في المتحف الكبير الذي ينتظره العالم بفارغ صبر .
لكني مع الأسف فوجئت من خلال أحد مقاطع الڤيديو المتداولة للحفل ، والمايسترو الكبير نادر العباسي يلقي بالعصا للمغنية العالمية فاطمة سعيد لتدخل هي في وصلة رقص شرقي ، وهو يشجعها ، وتحول الإمر إلي ما يشبه حفل بلدي في أحد حواري القاهرة !
من المؤكد أن المايسترو نادر العباسي واحد من أهم قادة الأوركسترا السيمفوني في مصر حاليا ، ومن المؤكد أيضا أن السبرانو العالمية فاطمة سعيد هي موهبة كبيرة واسم مشرف لمصر في أنحاء العالم ، وتمتلك صوتا من أجمل الأصوات الأوبرالية الممتدة عبر تاريخ مصر الحديث، من أمثال أميرة كامل ورتيبة الحفني ونبيلة عريان وإيمان مصطفى ومنى رفلة ونيڤين علوبة وتحية شمس الدين وغيرهن كثيرات تاريخ كبير مهم من الغناء الأوبرالي في مصر ، لكننا لم نر واحدة من هؤلاء وغيرهن كثيرات يصدر عنها ما صدر ، ولم نر أبدا المايسترو الكبير يوسف السيسي أو المايسترو مصطفى ناجي أو حتى في حفلات الموسيقى العربية مايسترو يلقي بالعصا للمغنية لترقص على واحدة ونص !
الحقيقة أن صدمتي كبيرة ، وغيري كثيرون من محبي الفنون الراقية الذين انتابهم الهلع لهذا المشهد الغريب ، وأنا هنا أتوجه للقائمين على المتحف الكبير ليضعوا الضوابط التي تضفي على هذا المكان الهيبة والاحترام والوقار اللائق بمكانته ومكانة مصر ، وعلى المايسترو الكبير أن يعيد حساباته فهو ينتمي إلي فن راق ، فإذا ما أراد أن يمارس مثل تلك الأفعال فهناك أماكن كثيرة سترحب بهذا السلوك ، ليس من بينها الأوركسترا السيمفوني .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة