إن اتفقنا أن نجاح أى عمل سواء خيرى أو تجارى لابد وأن يبدأ بكفاءة وأمانة القائمين عليه، فيجب أن نتذكر أن القوامة على أموال الزكاة والتبرعات وهي أموال عامة وأمانات، تستوجب الكثير من الوعي قبل البدء في السعي لتحقيق الكفاءة.
وتستوجب أيضا وجود أنظمة متطورة للحوكمة والشفافية لغلق أبواب الفساد بشكل استباقى قبل حدوثه، صيانة للأنفس وصيانة للأموال.
والوعى يبدأ باستيعاب أن:
١) العمل الخيري كفرع من علوم التنمية هو منهج أصيل وقديم وترجع أدبياته المتخصصة التي تخاطب عالمنا اليوم كما نراه إلى أربعينيات القرن الماضي، وتحديدا أثناء إعادة إعمار أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.
حيث اكتشف الأكاديميون أن الأموال الضخمة التي تم ضخها لتحريك ماكينات الاقتصاد بمعدلات ما قبل الحرب، لم يتم وصول آثارها الطيبة بشكل عادل للفقراء، فلزم وجود فرع أكاديمي مختص ومستقل بكيفية شمولية التنمية للكل على حد سواء، بجانب الفرع الذي يهتم بالنمو الكلي في المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على مستوى الأمم.
وفى نفس الوقت أيضا ظهرت هشاشة اقتصاديات عدة دول نامية ترى حرية اتخاذ القرار لأول مرة بعد مئات الأعوام من الاستعمار فلزم وجود أدلة أكاديمية صارمة لرسم طرق سليمة يحققون بها الرخاء.
ولذلك فيجب على القائم علي العمل الخيرى أن يكون مؤهلا أكاديميا بالقدر الكافي وبالتخصص الكافي لحمل أمانة أموال التبرعات، وأمانة تحويل هذه التبرعات بكفاءة وبفاعلية إلى خدمات ترى أثرا، فلا يعقل لأى شخص رشيد أن يسمح لخبير قانوني أو خبير زراعي مثلا بإجراء جراحة له، وكذلك لا يعقل لغير المتخصصين جمع التبرعات من المجتمع وإعطاء وعود براقة إلى محتاجين في درجة كبيرة من الهشاشة وهم لا يملكون العلم الكافي لتحقيق تلك الوعود، ولا حتي معرفة إن كان الإنفاق ترك أثرا من عدمه.
٢) تحقيق القيمة العامة هو المنتهي والأولوية، مع ضرورة الموازنة ما بين نزاهة ونبل القيمة العامة، وحتمية تحقيق حياه كريمة إلى مقدمي الخدمات قبل أن نطلب منهم إعلاء القيمة العامة فوق مصالحهم.
و بمعني عملي، إن كان المحرك الأساسي للقائم علي مؤسسة خيرية هو القيمة العامة، فيجب أن يتذكر جيدا أنه ربما كان لديه مصادر دخل أخرى تمكنه من التركيز في ذلك، ولكن لا يصح أن يعمم ذلك علي الجميع. فالكثير والكثير من العاملين بالقطاع الخيري المحرك الأساسي لهم هو كسب الرزق وتوفير سبل العيش لذويهم، ولا ينتقص ذلك شيئا من نبل قضيتهم، ولا من كفاءتهم وأمانتهم في العمل. ولا يستقيم أن يكون أميا مسؤول عن إصلاح التعليم، كما لا يستقيم ان يكون معدما مسؤول عن محاربة الفقر.
وعبر هذه السلسلة من المقالات سنحاول أن نرد سويا العمل الخيري إلى جذوره الثابتة علميا وإنسانيا، عن طريق شرح بعض المفاهيم، وتذكر بعض المحطات الفارقة في تاريخ العمل الخيري، لعلنا جميعا نستطيع التفكير بشكل أكثر كفاءة خارج الصندوق، بعض تسليط الضوء على ما هو بداخله بالفعل.
و دمتم خيرين.
- الرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري