تمر اليوم ذكرى توقيع اتفاقية العريش (24 يناير 1800) بين فرنسا والدولة العثمانية، بعد حصار دام 11 يوماً، هذه المعاهدة سعت لإنهاء سيطرة بريطانيا على طرق التجارة في شرق البحر المتوسط. وفيها تعترف الدولة العثمانية بسلطة فرنسا على مصر. المعاهدة دفعت روسيا لإرسال المزيد من سفنها الحربية إلى شرق البحر المتوسط.
وجاءت الاتفاقية بعدما ترك نابليون بونابرت مصر والأخطار تهدد الحملة الفرنسية من كل جانب. فالجيش في تناقص عددي بسبب المعارك والحروب الداخلية والخارجية، والدولة العثمانية أرسلت حملة أخرى إلي العريش ودمياط، والمماليك عادوا للمقاومة مرة أخرى، وتجددت ثورة المصريين في الشرقية وامتدت إلي وسط الدلتا وغربها.
وبحسب كتاب "الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط (الجزء الثاني)" تأليف على محمد الصلابى، فبعد خروج الجنرال نابليون بونابرت إلى فرنسا، وتولى الجنرال كليبر ولاية الحملة الفرنسية فى مصر، قام الأخير بفتح اتصالات مع السلطان العثمانى طلبا منه التفاوض على الخروج، وجرت المفاوضات فى العريش ونصت على: جلاء الفرنسيين عن مصر بكامل أسلحتهم وعتادهم، ووعودتهم إلى فرنسا، مع الاتفاق على هدنة تطول مدتها يتم خلالها نقل الحملة، والحصول على تعهد من الباب العالى العثمانى وحلفائه "روسيا، بريطانيا" على عدم التعرض بأذى للجيش الفرنسى المغادر.
إلا أن الحكومة البريطانية هى التى رفضت الاتفاقية وأخذت تعطلها، إذ كانت تخشى من أن يعود جيش فرنسا المحاصر فى مصر إلى ميادين القتال فى أوروبا، فيرجح كفة الجيوش الفرنسية ويختل ميزان الموقف العسكرى فى القارة.
ولما كان من المعتقد فى ضوء رسائل الضباط والجنود الفرنسيين إلى ذويهم فى فرنسا، والتى وقعت فى إيدى رجال البحرية البريطانية أن الحملة الفرنسية تمضى ببطء داخل الأراضى المصرية، فقد فضلت حكومة لندن أن يبقى الفرنسيون فى مصر أو يسلموا أنفسهم كأسرى حرب، ولذلك أصدرت فى 15 ديسمبر عام 1799 أوامر صريحة إلى اللورد كيث القائد العام للأسطول البريطانى فى البحر المتوسط، برفض أى اتفاق أو معاهدة بشان الجلاء عن مصر، طالما كان الاتفاق لا ينص على ضرورة أن يسلم الفرنسيون أنفسهم كأسرى حرب تسليما مطلقا دون قيد أو شرط.
فشل الاتفاقية ربما كان سببا مباشرة في عملية اغتيال كليبر، إذ قُتل الجنرال كليبر طعنًا بيد سليمان الحلبي عام 1800، ثم دفن في فرنسا عام 1801. سحق كليبر ثورة القاهرة الثانية ضد المصريين، والتي كانت بولاق مركزا لها، فنصب مدافعه على قمة جبل المقطم وشرع بقصف الحي حتى جعله أثرًا بعد عين، وهكذا تمكن من القضاء على الثورة. واستمر كليبر في استفزاز مشاعر المصريين مما دفع سليمان الحلبي (طالب سوري أزهري) إلى اغتياله في حديقة قصره بطعنة خنجر في قلبه ودُفن في حديقة قصره بالقاهرة، ثم حُملت جثته عند خروج الجيش الفرنسي من مصر ليُدفن في فرنسا بناءً على وصيته، وذلك عام 1801.