أصعب حاجة ممكن نعملها أن نودع أصدقاء جمعتنا بهم روح من التفاصيل المشتركة والمتنوعة، بين العمل والصداقة والمواقف الحلوة والجميلة.. علام عبد الغفار لم يكن مجرد رئيس قسم للمحافظات بـ اليوم السابع، وإنما كان دينامو يحرك كل أقسام الجريدة، الدينامو الذى يصارع الوقت، وينسج أجمل القصص والتحقيقات من ربوع مصر، بحرفية شديدة تجعلها تزيد من منحنى القراءات والمتابعة للصعود يوميا، مع توليفات من الأخبار والقصص من ربوع مصر وحواريها، لتحرك المياه الراكده بقصص إنسانية، ولقطات نوعية كان لا يمل ولا يكل من نحتها بنفسه والتوجيه بتنفيذها أو تنفيذها بنفسه.
علام عبد الغفار هو الابن الذى صنع لنفسه مكانا بين عمالقة مهنة الصحافة وأهل بلده .. علام البعيد القريب، الذى جاء من أقصى قرية فى محافظة الفيوم ليسطر سيمفونية مختلفة من الطموح والأحلام المشروعة فى بلاط صاحبة الجلالة.. بجسده النحيل وتفاصيله القروية وابتسامته التى لم تفارقه أربعة عشر عاما، تمكن أن يحفر لنفسه تابوت ترصع بمواقف لم تفارق الجميع وأنا منهم، كانت الوقود الذى اشتعل فى قلوب كتيبة اليوم السابع ليخرجوا عن بكره أبيهم يشيعون جثمانه الطاهر.
حين نكتب عن الوجع لن تكفينا الكلمات ولن تسعفنا، لكن عله بقليل من الهدوء ربما يمكننا نقل مشهد لم نره سوى فى السينما فقط، وقلما حدث سوى مع الشهداء، فهذا الموكب من سيارات الزملاء والمئات منهم من تحملوا مشقة السفر لأكثر من 3 ساعات لقلب الفيوم ، وخروج أهالى القرية وهم يودعون جثمان الابن البار بأسرته والخدوم لكل أهالى بلده، علام البعيد القريب هكذا كانوا يصفونه، حنية الدنيا فيه ورغم بعد المسافات كان يتواصل مع الجميع ، وحين اختار أن يبنى بيتا له اختار من تشاركه فيه من أبناء قريته وابنة خاله.
جنازة علام فى قلب قرى الفيوم مشهد يعكس تراث لم يندثر بدفن الجثمان، تراث من المواقف والاحترام والحب، فهى الليلة التى ودعت فيها كتيبة اليوم السابع دينامو الجرنال، وبكت فيها صاحبة الجلالة على فقدانها
علام وحليمة ومحمد.. أحلام لم تستكمل، فالشاب الذى وهب حياته لصاحبة الجلالة لم يجد وقتا لنفسه وتزوج متأخرا، وأنجب محمد وحليمة، حرمه عمله من حضنهم كثيرا من الوقت، كان يؤمن أن كل ما يبذله من وقت وجهد سيؤمن حياته فى الكبر، لم يكن يعلم أن القدر أبى أن يكمل مسيرته المهنية والأسرية، وبعد صراع مع مرض مجهول ورحلة من الوجع رحل سريعا، رحل بعد أن وجع قلوبنا عليه وترك مكانا يحمل كثيرا من الحكايات التى لا يمكن روايتها، لأنها جميعا كانت هبه من قلب يحمل طيبة واحلام بحجم الكون، واصبح صانع الخبر خبرا.. وداعا يا صديقى.. وداعا يا علام.
لنلتقى فى دار الحق.