"تاج محل" دمعة على خد الزمن.. نصب معماري استثنائي لم ينجح أحد في نسخه أو تكراره.. عجيبة أسقطت حكم إمبراطور المغول.. أيقونة لو طاف حولها المحبون لن يفترقوا.. واليونسكو: ضريح بنى باسم الحب.. فيديو وصور

 

 

 

تاج محل عجيبة من عجائب الدنيا السبع،  يقف شامخًا وسط مدينة أغرا الهندية، مطلًا على الجهة الجنوبية من نهر جمنة، مخبئًا بين جدرانه قصة حب ووفاء، لم ينتصر فيها الموت على عاشقين لم يعرف أحدهما الحياة بعد وفاة الآخر، ليكرس باقى عمره في تخليد ذكراها، وليصبح كما وصفه شاعر الهند العظيم طاغور الحاصل على جائزة نوبل للسلام بأنه "دمعة على خد الزمان"، وصنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في العام 1983 ضمن مواقع التراث العالمي، وقالت عنه أنه ضريح بنى باسم الحب.

 

 

الأساطير لا تكتفى باعتبار تاج محل مجرد  ضريح للملكة المفضلة للإمبراطور المغولى شاه جهان، بل يحكى أيضًا قصة نهاية عهد امبراطور فقد شغفه بحكمه حتى خلع عن العرش وتم سجنه، ليدفن في النهاية جوار محبوبته. 

 

 

قصة الحب التي يحكى التاريخ بدياتها عندما خطب شاه جيهان ممتاز محل حين كانت في الرابعة عشر من عمرها لتدوم الخطبة 5 سنوات ،  تزوج خلالها شاه جيهان بزوجته الأولى الأميرة قندهار بيجوم،  ثم تزوجها وهى في التاسعة عشر  لتكون بذلك زوجته الثانية وحبه الأبدي، وكان قد تزوج شاه جيهان كذلك بالثالثة بعد فترة من زواجه بممتاز محل، إلا أن المؤرخين ذكروا أن زيجاته تلك كانت عبارة عن تحالفات سياسية بحتة، وأن ممتاز محل كانت حبه الوحيد، وقد كان الإمبراطور مأخوذاً بممتاز محل، لدرجة أنه بالكاد كان يجتمع بزوجاته الأخريات، وعندما وصل شاه جيهان إلى العرش في عام 1628 اختار ممتاز جيهان لتكون إمبراطورة المغول، متجاوزاً بذلك زوجته الأولى.

 

وإلى جانب كونها حبيبته وصديقته ورفيقته، كانت ممتاز محل كذلك مستشارة الإمبراطور في شؤون الحكم والسياسة، حتى أنه منحها ختمه الإمبراطوري الذي كانت تصدّق به على المراسيم المتعلقة بشؤون الإمبراطورية الداخلية والخارجية، بمعنى آخر كانت تشاركه في الحكم بكل تفاصيله، وكان لا يطيق الابتعاد عنها، لدرجة أنه كان يصحبها معه في جميع رحلاته وغزواته وحملاته العسكرية رغم حملها المتكرر، فقد أنجبت ممتاز محل للإمبراطور 14 ولداً، مات سبعة منهم عند الولادة أو في سن مبكرة جداً خلال 19 عاماً قضاها الزوجان معاً، قبل أن  تتوفى الإمبراطورة بسبب نزيف حاد أصابها أثناء ولادة طفلها الرابع عشر بعد مخاض طويل استمر نحو 30 ساعة في عام 1631، عن عمر يناهز 38 عاماً.

 

فجيعة لم يتحملها الإمبراطور المغولى، فاعتزل الحياة والحكم ورفض الخروج من غرفته عامًا كاملًا  تغيرت فيها ملامحه وانحنى ظهره وشاب شعره، حتى استطاعت ابنته الكبرى أن تخرجه من حزنه، ليقرر بعدها بناء واحد من أعظم الصروح التاريخية في العالم الإسلامي: تاج محل.

 

 

نصب معماري استثنائي، لم ينجح أحد في نسخه أو تكراره رغم وجود نحو 10 نسخ منه، وكيف ذلك والتاريخ يحكى أن الإمبراطور المغولى قطع أيادى العمال الذين بنوا الضريح، وأعمى عيونهم، حتى لا يستطيعوا إنشاء مثله.

 

 

22 سنة كاملة استغرقها بناء الضريح، بمشاركة 10 آلاف عامل تم اقتيادهم قسراً من الهند وبلاد فارس القديمة وأوروبا والإمبراطورية ، وتم استخدام ألف فيل لنقل مواد بنائه، كما يقال أن جهان قتل زوجة المعمارى المهندس أحمد لاهورى الذى صمم البناء، حتى يشعر بنفس الألم أثناء بناء الضريح  الذى تم بأسلوب الهندسة المعمارية المغولية، اندمجت فيه بعض العناصر من العمارة الإسلامية والفارسية والتركية العثمانية والهندية، ليحتضن داخله  القبر الملكي الذي يحتوي على ضريح شاه جهان وممتاز محل، محاطين بسور رخامية مثقوبة لتصلك من داخله مشاعر الحب والوفاء، وكأنك تسمع وصية تاج محل لزوجها وهى على فراش الموت تقول: "لا تتزوج من بعدي، لا تحب امرأة مثلي، لا تنس ان تزور قبري"، فيرد عليها شاه جهان بكلماته المحفوظة في تاريخ الهند حين أنهى الصرح:  " إذا لجأ إلى هذا المكان شخص مثقل بالذنوب، فسيتطهر من ذنوبه، كالمغفورة له خطاياه، وإذا لجأ الآثم إلى هذا القصر، فستنمحي جميع خطاياه السابقة، إن النظر إلى هذا القصر يترك بين حنايا القلب شعوراً بالحزن، ولقد شيد هذا البناء في هذا العالم، ليعرض جلال الخالق وقدرته".

 

الهنود يعتقدون أن العشاق والأزواج الجدد إذا طافوا حول ضريحي ممتاز محل وشاه جهان، سيبقيان معا للأبد، ويتمتعان بالحب مدى حياتهما،  لكن تاج محل يفتح أبوابه للجميع، حتى من كفروا بالحب، يرغبون في رؤية الحب الذى لم ينتصر عليه الموت، حتى قال عنه  أبرز زعماء الهند جواهر لا نهرو: "هذا ليس قبراً، بل أغنية من المرمر".

 

وتسبب الإنفاق المفرط على بناء الضريح في أزمة اقتصادية نالت البلاد التي أهمل شئون حكمها أيضًا، حيث  تجاوزت تكلفة تشييد المبنى والمناطق المحيطة به 32 كرور روبية، أو 320 مليون روبية، أي ما يعادل أكثر من 200 مليون دولار في الوقت الحالي، فتمرد عليه أحد أبنائه وقام بسجنه، ليتوفى شاه جهان بعد عامين فقط من الانتهاء من بناء تاج محل، وقبل أن يحقق مراده في بناء ضريح آخر له مجاور لتاج محل، ليدفنه ابنه أورنكزيب الذي أخذ مكانه كإمبراطور  في نفس الضريح بجوار زوجته المفضلة.

 

وتاج محل كما تشير المراجع عبارة عن مجمع مسور بمساحة 170000 متر مربع، ويتكون من مسجد ودار ضيافة ومباني أخرى، بالإضافة إلى الضريح الرئيسى، وتوجد فيه 22 قبة بارزة .

 

 

يوجد في الداخل القبران الزائفان، واحد لشاه جهان والآخر لممتاز محل، وهما زائفان لأن أجسادهما ليست بداخلهما، ولكن في تابوت بسيط تحت هذا المكان  .

 

وحين تقترب من تاج محل تبهرك زخرفة التفاصيل بالداخل والخارج، حيث تندمج الأحجار الكريمة وخيوط الذهب في النقوش الإسلامية لبعض الآيات القرآنية، كما تبهرك الأرضيات المنحوتة بالفسيفساء ذات الألوان المتنوعة والتي تم رسمها بواسطة الأشكال الهندسية، إضافة إلى رسومات الزهور والعناصر الزخرفية الأخرى المستوحاة من الطبيعة، كل ذلك محاط بحديقة طبيعية  تتنوع ألوانها وتبرز الواجهة الرئيسيى للضريح بلون رخامها الأبيض، والذى يتغير لونها مع اختلاف إضاءة الشمس أو القمر، وما يميز تاج محل هو أن المواد المستخدمة في إنشائه تم جلبها من العديد من البلدان حول العالم، حيث تم جلب الرخام الأبيض الشفاف من راجستان، واليشم من البنجاب، الكريستال من الصين، والفيروز من  التبت، الياقوت من سريلانكا، والعقيق من الجزيرة العربية.

 

 

وستجد على جدران الضريح أسماء الله الحسنى، ونقش آخر على قبر شاه جهان يقول: ترك هذا العالم إلى دار الخلود ليلة السادس والعشرين من شهر رجب.

 

 

ولا تنسى حين تقترب من التاج، أن تتخلى عن  كل شيء معك عدا هاتفك المحمول، وأن ترتدى جوارب بلاستيكية خوفا على الضريح من التلوث، فتجد أمامك البوابة  الخارجية والتي كتبت عليها سورة "الفجر"، وأن تقرأ سورة ياسين مطلية بالأحجار الكريمة الملونة على المدخل  الرئيسى للتاج.