فى البداية نهنئ إخواننا المسيحيين فى مصر بعيد الميلاد المجيد، ويا له من عيد تفيض ذكرياته علينا منذ كنا أطفالًا صغارا فى قرى الصعيد، كنا نحن وجيراننا المسيحيين لا يفصل بيننا فاصل، كنا أسرة واحدة، أفراحنا وأحزاننا "واحدة" هم أول المهنئين فى الأفراح وأول المشاركين فى الأحزان، ونحن أيضا كنا كذلك.
كنا نستعد للعيد بكل تفاصيله، فنحن نعرف أن "القس" سيأتى لزيارتهم صباح العيد، فنحتشد مبكرين فى انتظاره، يدخل الباحة أمام البيوت بسيارة "بيجو" قديمة جدا، فنحيط به قبل أن ينزل من سيارته، يخرج إلينا مبتسما ، ويضع يديه فى جيوبه التى كنا نظنها سحرية ويخرج إلينا قطع الحلوى، نأخذ من يده مرة ومرتين، ثم تلتف حوله النساء المسلمات والمسيحيات يطلبن منه أن يكتب الأحجبة لأطفالهن وبهائمهن، كي يهدأ الأطفال وتدر البهائم مزيدا من اللبن، وهو لا يرد أحدا، وعندما يغادر كنا نودعه بالجرى وراء السيارة حتى الطريق الرئيسى.
حقيقة لا أعرف هل لا يزال القس يذهب إلى بيوت إخواننا المسيحيين الآن، أم أنه يكتفى بكونهم يذهبون للصلاة فى الكنيسة.
كان عيد الميلاد، ومثله عيد القيامة بمثابة أعياد لنا فى طفولتنا، نلبس الجديد من ملابسنا، وتصيبنا عدوى البهجة المنتشرة عند جيراننا، نهنئهم ونشاركهم ألعابهم ونسلم على زوارهم.
هذه هى الحياة التى كنا نعرفها فى صغرنا، ولا تزال حتى الآن تمثل مفهومنا عن الوطنية والتشارك، لم نفكر أبدا فى تلك الأفكار المستحدثة التى قد تصادفنا على السوشيال ميديا وغيرها من الوسائل، الأفكار التي تهاجم تهنئة الأقباط، إن الذين يكتبون مثل هذا الكلام هم أناس عاشوا فى عزلة عن الحياة، لم يعرفوا مصر الحقيقية.