قال الرئيس السادات: «إننا دخلنا المنطقة الحرجة، وسأفصح عن ساعة الصفر قبل العمليات بأربعة وعشرين ساعة»، حسبما يذكر مستشاره للأمن القومى محمد حافظ إسماعيل فى مذكراته «أمن مصر القومى فى عصر التحديات»، مؤكدا أن هذه الكلمات أطلقها السادات فى 1 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1973.
كانت «ساعة الصفر» التى يقصدها «السادات» هى الوقت الذى ستبدأ فيه مصر وسوريا حربهما ضد إسرائيل، ووفقا لإسماعيل «فإنه فى يوم 1 أكتوبر 1973 أصدر السادات توجيها إلى الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية، يتضمن عرضا للوضع العام السياسى والعسكرى، خلص منه بتحديد الهدف الاستراتيجى للقوات المسلحة المصرية».
يكشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73- السلاح والسياسة» قصة «التوجيه» الذى أصدره السادات لإسماعيل قائلا، إنه كان على موعد مع السادات فى استراحة برج العرب يوم 21 سبتمبر 1973، وفى الشرفة المطلة على البحر جلسا وتحدثا سويا، ومما قاله: «ليس من حق أحد أن يلومنى مهما كانت النتائج، قرار الحرب هو ما كانت البلد تريده، ولم يكن منه على أى حال مفر، ولست أعرف كيف سيأخذ الناس حجم خسائرهم فى القتال، لكن أحدا لا يحق له أن يتوجه إلىّ بلوم أو نقد، كان هذا ما فرضته الظروف ويفرضه الواجب، وقد أديته، وأما ما يحدث بعد ذلك...».
توقف السادات عن الكلام حسب هيكل ثم انتقل فجأة إلى الموضوع الذى كان يلح عليه وهو «أحمد إسماعيل يطلب توجيها سياسيا مكتوبا يتضمن الأمر بالبدء فى القتال ويحدد هدف العمليات»، يؤكد هيكل أن الرئيس وبعد مناقشة حول الخطوط طلب منه يقوم بكتابة هذا التوجيه، وتمت كتابته، ووافق عليه السادات، ووقعه وبعث به إلى إسماعيل الذى طلب أمرا محددا بكسر وقف إطلاق النار، وذلك لتغطية المسؤولية السياسية بطريقة قاطعة تحمل صيغة الأمر المباشر ولو فى سطر واحد.
يكشف هيكل: «كان «التوجيه الاستراتيجى» يحمل العبارات التالية: «إن الهدف الاستراتيجى الذى أتحمل المسؤولية السياسية فى إعطائه للقوات المسلحة المصرية، وعلى أساس كل ما سمعت وعرفت من أوضاع الاستعداد يتلخص فيما يلى:
- استراتجية مصر فى هذه المرحلة: «تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى، وذلك عن طريق عمل عسكرى حسب إمكانات القوات المسلحة، يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو، وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأراضينا يفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه، وبالتالى فإن نظريته فى الأمن - على أساس التخويف النفسى والسياسى والعسكرى - ليس درعا من الفولاذ يحميه الآن أو فى المستقبل، وإذا استطعنا بنجاح أن نتحدى نظرية الأمن الإسرائيلى، فإن ذلك سوف يؤدى إلى نتائج محققة فى المدى القريب وفى المدى البعيد».
«فى المدى القريب: فإن تحدى نظرية الأمن الاستراتيجى يمكن أن يحدث متغيرات تؤدى بالتراكم إلى تغيير أساسى فى فكر العدو نفسيته ونزعاته العدوانية، وفى المدى البعيد: فإن تحدى نظرية الأمن الإسرائيلى يمكن أن يحدث متغيرات تؤدى بالتراكم إلى تغيير أساسى فى فكر العدو ونفسيته ونزعاته العدوانية».
- التوقيت: إن الوقت من الآن، ومن وجهة نظر سياسية، ملائم كل الملائمة لمثل هذا العمل الذى أشرت إليه، وإن أوضاع الجبهة الداخلية وأوضاع الجبهة العربية العامة بما فى ذلك التنسيق الدقيق مع الجبهة الشمالية «سوريا»، وأوضاع المسرح الدولى تعطينا من الآن فرصة مناسبة للبدء، ومع العزلة الدولية للعدو، ومع الجو الذى يسود عنده بنزاعات الانتخابات الحزبية وصراعات الشخصيات - فإن احتمالات الفرصة المناسبة تصبح أحسن أمامنا».
حمل هذا التوجيه توقيع «رئيس الجمهورية - أنور السادات» وفى نفس يوم توجيهه «1 أكتوبر 1973» طبقا لهيكل، انعقد اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان هناك موضوع يشغل الرئيس السادات وهو، متى يمكن أن تشعر إسرائيل بما يجرى على الجبهة المصرية أو على الجبهة السورية، ومن ثم تعرف أن هناك هجوما على وشك أن ينطلق؟
ويذكر هيكل، أن السادات تحدث عن هذا الأمر على انفراد مع الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وكان رد الشاذلى: «إنهم حتى الآن، وفيما هو ظاهر من كل التحركات على الخطوط، وفيما هو واضح من كل الرسائل الملتقطة من قيادة القوات الإسرائيلية لم يعرفوا، وإذا ظلوا لا يعرفون فى الثمانية والأربعين ساعة القادمة، فإنه لن يعود مهما جدا أن يعرفوا أو لا يعرفوا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة