نعاني جميعًا من اضطرابٍ معلوماتي مصدره وسائل التواصل الاجتماعية المفتوحة والتي لا تخضع للرقابة؛ حيث أصبحت منبرًا بين يدي المغرضين الذي يحاولون تصنيف الشعب المصري العظيم لفئاتٍ وفق الهوى؛ بغية شق الصف وإحداث الفرقة وهتك النسيج المجتمعي؛ لتبقى الصراعات الفكرية والايدولوجية منفذًا للعصبية والتحيز الأعمى، ومن ثم تتأصل المفاهيم اللاأخلاقية كالتخوين والعزل والمعاداة لأبناء الوطن الشرفاء.
وتكمن خطورة الشائعة السياسية في تهديدها المباشر للسلم المجتمعي؛ فبواسطتها تحدث الصراعات وتتأهب القوى العسكرية أو المسلحة للمواجهات المحسوبة وغير المحسوبة، كما تملء وجدانيات الفرد غلاً وحقداً تجاه الطرف الآخر، وتعمل على تقوية الفكر الهدام، وغالبًا ما تظهر الممارسات المنفرة التي لا تتواءم مع الخُلق النبيل.
وتسعى الشائعة السياسية إلى تدمير حالة السلم والتعايش المجتمعي؛ حيث تستهدف إحداث حالةٍ من عدم الاستقرار النفسي لدى المواطنين وتحد من معنوياتهم لتصل بهم لمرحلة التشكيك وفقد الثقة، كما تساعد مروجيها على الكشف عن الرأي العام تجاه قضيةٍ ما؛ لتلاحظ ردة الفعل تجاه ما قد يجري من أحداثٍ قد يكون مخططاً لها أو متوقعة الحدوث من خلال سيناريوهاتٍ افتراضيةٍ.
وتُعد الشائعات السياسية سلاحًا بديلًا للحروب العسكرية؛ إذ أنها تستهدف تشويه الفكر بما يؤدي إلى تغيير الاتجاهات والسلوك الإيجابي؛ ليقوم الفرد أو الأفراد بدور المقاوم للدولة وسلطتها، ومن ثم ينوب مناب العدو في إضعاف العزيمة وهدر الطاقات لدى من يتحملون المسئولية، ليصلوا لحالةٍ من الاستسلام واليأس في استكمال مسيرة التنمية أو لحالةٍ من التخبط والتشتت التي تدفعهم لترك ما أوكل إليهم من مهامٍ وطنيةٍ، وهنا تبدأ مرحلة الانقسام والانهيار التي ينتظرها العدو ليستكمل أهدافه بالطرائق المعلومة والصريحة.
ويعتمد مروجي الشائعات السياسية على مدى أهمية القضية المثارة في المجمتع وعلى حالة غياب الحقائق الدامغة حولها، ودرجة القلق المجتمعي حيال آثارها المتوقعة؛ بالإضافة إلى درجة الاستعداد العقلي والنفسي لاستقبالها وتصديقها في ضوء درجة الوعي التي يمتلكها أفراد المجتمع، ومن ثم تبدو أهمية تنمية الوعي الصحيح والعمل بمبدأ الشفافية والمصارحة والمكاشفة والحوار البناء بين السلطة والمجتمع، بما يؤدي إلى دحض آثار تلك الشائعات بشكلٍ تام.
وللإعلام دورٌ بارزٌ في محاربة الشائعات السياسية والقضاء على سلبياتها؛ حيث يمتلك من الاستراتيجيات ما يتصدى به لتلك الشائعات؛ لينشر من خلال قنواته المتنوعة ومنابره المؤثرة ووسائله المتعددة ليغطي كافة المناطق الجغرافية بالدولة، ويلعب الإعلام على استمالة العاطفة لدى الجمهور ليظهر سلبيات الشائعات ونوايا مروجيها غير السوية، ويؤكد الحقائق في صورتها التامة غير المبتورة؛ ليزيل الستار الذي تخلفه هذه الشائعات المغرضة.
وتؤدي وسائل الإعلام دورًا توعويًا يقوم على الاقناع وتنمية الجوانب الثقافية المفتقدة لدى أفراد المجتمع؛ ليغير الصورة الذهنية التي تكونت جراء ما نشر من شائعات هدامة، ومن ثم يحدث ذلك تعديلًا إيجابيًا في السلوك الاجتماعي، كما يمكن للإعلام تبني الاستراتيجيات الوقائية التي لا توفر البيئة المواتية لانتشار الشائعات السياسية المغرضة؛ لتنتشر حالةٌ من اليقظة والوعي بين أفراد المجتمع.
ولا بد من تعظيم دور المؤسسات الإعلامية الرسمية كونها موثوقة ومصدر رئيس للمعلومات، وهذا الأمر يتوجب غرسه في شبابنا على وجه الخصوص؛ فسهولة الانجرار نحو التقارير أو الأخبار من مصادر فيها شك وارد عبر مواقع التواصل الاجتماعي المنفلتة؛ لذا عندما يشاهد أو يسمع المتلقي معلومة أو خبرًا مهمًا ينبغي أن يكون مرجعه الفوري وسائل الإعلام الرسمية للدولة ليتحقق ويتثبت من مصداقية ما تلقى.
وتجنب الانسياق وراء التكهنات التي تقوم على معلوماتٍ مضللةٍ وأخبارٍ مفبركةٍ أمرًا يجب التحذير منه؛ فهناك المزيد من العناوين التي تحمل في طياتها التضليل والتشويه بغية تحقيق مآربٍ سياسية خفية، وهنا يقوم الخبراء والمحللون السياسيون بدورٍ مهمٍ في سرد الأدلة وتبيان وجهات النظر وتقويم الخبر في سياقة السليم.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادة السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر