كل من تابع حفل تخريج الكليات العسكرية يوم الخميس الماضى بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، وكبار قادة الدولة من العسكريين والسياسيين، ورفع رأسه إلى السماء ليتابع العروض الجوية المبهرة لنسور الجو من الطياريين المصريين وبمشاركة أحدث الطائرات يشعر بالأمان والاطمئنان، وبأن سماء مصر فى حماية شجعان أبطال يحملون الراية، ويواصلون مسيرة من سبقهم فى حرب العزة والكرامة والنصر المبين فى أكتوبر 73.
نسور الجو هم استمرار وامتداد لمسيرة وسيرة عطرة زاخرة بالبطولة وعامرة بالتضحية والفداء فى معارك الشرف ورد الاعتبار منذ اليوم الأول للمعركة وحتى يوم 14 أكتوبر، وما بعده وما كبدته من خسائر فادحة لذراع إسرائيل الطولى.
واليوم نستعيد أيام وحكايات معركة المنصورة الجوية وهو عيد القوات الجوية المصرية بل هو عيد مصر وجيشها الباسل وشعبها الصامد. فيوم 14 أكتوبر هو ذكرى تلقين إسرائيل درسا فى فنون القتال الجوى لم ولن تنساه إذا قدر لها البقاء فى المستقبل. درسا فى معركة جوية اسطورية ما زال العالم ومعاهده العسكرية المتخصصة وخبراءه العسكريين يقفون فى دهشة وذهول واعجاب أمام المقاتل الطيار المصرى الأسطورة بشجاعته وبسالته وإبداعه العسكرى ويدرسونه كنموذج للمعارك الجوية وفنونها.
14 أكتوبر 73 يوم لن ينساه العالم وسيقف أمامه طويلا لأنه لم يتكرر فى تاريخ الحروب العالمية وربما لن يتكرر بعد ذلك. فما حدث هو خروج عن المألوف والتقليدى فى المعارك الجوية التى لا تستغرق حسب العلوم والمقاييس العسكرية أكثر من 10 دقائق على الأكثر وهو ما يستحق التذكير به للأجيال التى لم تعش تلك اللحظات المجيدة منذ 50 عاما فى واحد من أشرس معارك حرب أكتوبر المجيدة عام 73.
معركة المنصورة واحدة من البطولات الأسطورية للمقاتل المصرى وقدرته على إذلال العدو وسحقه حتى لو كان فى السماء وإسقاط أسطورته الجوية التى تفاخر وتباهى بها، واعتبرها أنها الذراع الطولى فى المنطقة، فجاء الرد والردع القوى والساحق الماحق من الطيران المصرى والدفاع الجوى الذى جعل إسرائيل مشلولة عاجزة بلا أذرع.
عيد القوات الجوية المصرية يأتى فى مناسبة عظيمة ومجيدة.. مناسبة معركة جوية لا مثيل لها فى تاريخ الحروب العالمية منذ إنشاء سلاح الطيران، وهى معركة المنصورة التى استمرت فوق الأجواء المصرية لمدة 53 دقيقة، لتسجل أطول معارك الجو فى التاريخ، وشهدت أول، وربما آخر مواجهات مباشرة بين سلاح الطيران فى قتال مباشر بين طائرة وأخرى.
ظن العدو الإسرائيلى على أنه ما زال قادرا على الوصول إلى العمق المصرى فى الدلتا، وطالبت رئيسة وزراء الهزيمة جولدا مائير من وزير الحرب موشيه ديان أن يفعل شيئا حفاظا على ما تبقى من سمعة إسرائيل التى انهارت أسفل أقدام جنود مصر ظهيرة يوم السادس من أكتوبر.
حاول ديان المهزوم القيام بأكبر هجوم جوى لتدمير مطارات وسط الدلتا فى المنصورة وطنطا والبحيرة، وراهن على اختراق الأجواء المصرية فوق دلتا مصر فى معركة انتحارية كان الغرض منها تدمير المطارات المصرية، وأنظمة الدفاع الجوى، مثلما حدث فى 5 يونيو 67، وهاجم العدو بـ120 طائرة مقاتلة فى وقت واحد، ودارت أشرس معركة جوية، ولقن سلاح الجوى المصرى العدو درسًا لن ينساه، ورغم التفوق العددى للطائرات الصهيونية، فإن نسور الجو، خاصة قاعدة مطارات المنصورة واجهوا العدو بحوالى 62 طائرة مقاتلة مصرية فقط، واستطاعوا ببسالة وشجاعة فائقة ومنقطعة النظير هزيمة العدو، وإسقاط 17 طائرة له ومقتل طياريها وملاحيها، مما اضطر باقى طائراته للفرار. وخسرت مصر فى هذه المعركة خمس طائرات فقط، اثنتان منها بسبب نفاد الوقود ونجا جميع الطيارين.
خاضت إسرائيل هذه المعركة بطائرات حديثة، من طرازات مختلفة، مثل الفانتوم، والميراج، والسكاى هوك، وكنا نقاتل بطائرات الميج، لكن الفارق كان فى عبقرية الطيار المصرى وإبداعه وبسالته وصموده.
وفى تفاصيل هذه المعركة البطولية.. فقد بدأت فى الساعة الثالثة وخمس عشرة دقيقة، عندما أنذرت مواقع الرادارات المصرية على ساحل الدلتا باقتراب 20 طائرة من طراز الفانتوم من ناحية البحر المتوسط، لتجنب حائط الصواريخ المصرى على الضفة الغربية لقناة السويس، فقررت قيادة القوات الجوية المصرية عدم اعتراض الموجة الأولى، مما أفشل مهمتها فى جذب المقاتلات المصرية، فعادت أدراجها عبر البحر المتوسط إلى القواعد الجوية الإسرائيلية. وفى الساعة الثالثة والنصف أظهرت شاشات الرادارات المصرية وجود 60 طائرة قادمة من ثلاثة اتجاهات: من ناحية البحر، بورسعيد، وبلطيم، ودمياط، فأقلعت 16 طائرة ميج 21 من مطار المنصورة الجوى، ثم 8 طائرات من قاعدة طنطا الجوية للتصدى لها.
أعقب ذلك بثمانى دقائق إنذار للقوات الجوية باقتراب 16 طائرة إسرائيلية قادمة من اتجاه البحر المتوسط على ارتفاع منخفض، وبدأ القتال الجوى فوق سماء دلتا نهر النيل، ليبدأ معه تدفق باقى الطائرات الإسرائيلية، واشتعلت السماء المصرية بأكبر معركة جوية فى التاريخ، استخدم فيها الجانبان أحدث ما يملكانه فى ترساناتهما الجوية، سواء المقاتلات أو أجهزة التشويش اللاسلكى والرادارى.
وبعد محاضرة استمرت لأكثر من ساعتين، تم فيها حساب توقيتات إقلاع الطائرات من المطارات الإسرائيلية ووصولها للأهداف فوق دلتا نهر النيل، والإجراءات المضادة من القوات الجوية المصرية.. خلص الخبراء العسكريون إلى أنه بالرغم من التفوق العددى والنوعى للطائرات الإسرائيلية، إلا أن خبرة المصريين وكفاءتهم فى التغلب على الطائرات والأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية المضادة حسمت المعركة لصالحهم.. وهكذا استحق يوم 14 أكتوبر أن يخلد كعيد للقوات الجوية المصرية، التى تفتخر بأبنائها، أمام العالم كله
وترصد يوميات المعركة أن اسرائيل حاولت تكرار المحاولة فى اليوم التالى ففقدت 7 طائرات فانتوم..فالسلاح كان -وما زال- صاحى للدفاع عن سماء مصر.. تحية للأبطال والشهداء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة