أرسل لي موقع الفيس بوك رسالة رقيقة مفادها أنه تمت تغطية إحدى الصور التي نشرتها أمس حرصا على مشاعر الأصدقاء، حيث إنها تحتوي على محتوى صادم وقاس.
وفي الحقيقة فإن هذه الرسالة تعبر بوضوح عن تلك الرؤية الغربية لقضايانا، فالعالم الغربي لا يأبه لأي ضحايا طالما أن الأمر لا يمس مصالحه، ولديه الاستعداد الفوري والكامل لكي يسمح بالمذابح طالما لم يتأذ هو في شيء، وهو يعتبر أن الكيان الصهيوني امتداد له في المنطقة، وليس بغريب أن يصدق رئيس أمريكا فورا صورا مزيفة تصور ذبح أطفال دون أن يدقق، وفي اللحظة نفسها يروج هو نفسه لخرافة قتل الفلسطينيين جرحاهم في المستشفيات.
ولذلك فمن الطبيعي أن يتوقف الإدراك لديهم عند يوم السابع من أكتوبر ليبكوا ضحاياهم، ويروا أن كل ما سوف يحدث هو مجرد رد فعل من ضحية جريحة، وهكذا يكون التبرير الغربي الدائم لسلاسل المذابح عبر التاريخ، تلك التي استهدفت المدنيين في خيام الملاجئ، والأطفال في المدارس، والجرحى في المستشفيات، والتي يتم اتهام القتلى فيها دائما برعونة التعرض للخطر.
لذلك يبدو الآن أنه من الخطأ الاعتماد على المعايير الغربية الثابتة عند وجهة نظر واحدة، تمنح الحق الدائم في القتل لأبناء عمومتهم، وتستهجن حتى حق الدفاع، وإذا كانت التجربة قد علمتنا أن الغرب لا يستمع إلا لمن يتحدث لغته، فمن الضروري أن تكون لنا لغتنا ووسائل تواصلنا وثقافتنا، التي لا يجب أن تكون عالة أو رافدا من مثيلاتها الغربية.
هذه الصورة المحذوفة ستظل محذوفة إذن، غير أن رسالتها قد وصلت إلينا، ولن تصل إليهم، لأنهم لا يريدون أن يروها، فمعيارهم واحد لن يتغير، وعلينا نحن أن نفرض معاييرنا، وهو الأمر الذي بدا واضحا وقويا في كلمات الرئيس السيسي الواضحة القاطعة القوية، التي مثلت أكثر من مجرد موقف سياسي، بل تعدته إلى كونها موقفا وطنيا شعبيا عبر عنه في وضوح وعقلانية.
إن الثوابت الوطنية واضحة لا تحتمل جدلا أو مزايدات، ومن بوادر الأمل أن كثيرا من شبابنا وأبنائنا كانوا رغم الألم على قدر كبير من الوعي في التعامل مع اللحظة الراهنة، ربما في صورة أكبر من بعض المؤسسات الدولية التي فضلت السكوت أو السير كأن شيئا لم يكن، وهو ما يفرض علينا ابتكار حلولنا الخاصة بمعزل عن المعايير الغربية، وربما اختراع وسائلنا الخاصة للتواصل والتعبير عن إرادتنا الوطنية الواضحة الصلبة، في لحظة حساسة يبدو فيها الغرب محاولا انتهاز الفرصة لكي يحاول وقف تكتل البريكس الذي رأى فيه حربا ضد قيم رأسماليته المتوحشة، وهو ما يفتح بابا آخر للحديث.