يعد بنيامين نتنياهو أطول من تقلد منصب رئيس الوزراء في إسرائيل ، كما أنه أول رئيس وزراء لإسرائيل يولد في أعقاب قيام الكيان الصهيوني ( ٢١ أكتوبر ١٩٤٩ ) ، وربما يعد من أكثر الحكام الإسرائيليين حصولًا على الفرص السياسية، وهو أصغر من تولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية ، لكن على الرغم من كل هذا فان إدارته لما يحدث في الأراضي المحتلة ، وتعنته وجنونه وصلفه في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تواجهها إسرائيل يعد مؤشرًا قويًا لقرب نهايته السياسية إلى الأبد .
يعتقد نتنياهو أن استخدام كل هذا العنف ، وضربه الحائط بكل القيم الإنسانية والأخلاقية في حربه مع حماس وقتل المدنيين الأبرياء ، وحرمان أكثر من مليوني إنسان من أبسط احتياجاتهم – يمكن أن يصلح من صورته التي حطمتها حركة حماس بعملية السابع من أكتوبر ، ويعتقد أن تلك الفظائع التي يرتكبها ضد شعب غزة الأعزل يمكن أن يعيد الهيبة إلى دويلته التي بدت هشة ضعيفة سهلة الاختراق ، بأسلحة بدائية وإمكانات متواضعة ، كل هذا يجعله يتصرف بلا عقل ولا ضمير ، وإن كان قد فقد ضميره منذ سن مبكر !
كان من المفترض أن يكون أكثر ذكاءً من القدامى ممن شغلوا هذا المنصب ، أمثال جولدا مائير ومناحم بيجين وشيمون بيريز ، الذين من المؤكد أنهم كانوا أكثر منه حرصا على استمرار بقاء الدولة العبرية باتجاههم نحو السلام ، على الرغم من تاريخهم الدموي ، وقد استطاعوا بالفعل - ولسوء حظنا - أن يبقوا على وجود دولتهم بيننا حتى الآن ، على الرغم من أن الوضع العربي والدولي كان أصعب مما هو عليه الآن ! فقد كان الاتحاد السوفيتي قائما في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية ، وكانت كتلة عدم الانحياز لها قدرها ، وكانت الحركات التحررية تملأ أنحاء العالم ، ولكنهم اتجهوا إلى السلام حفاظًا على استمرار بقاء دولته ، التي يعلمون جيدًا أنها اغتصبت أرضًا ووطنا ليسا من حقها !
السياسي الماهر هو الذي يدرك متى يتهور ومتى يتعقل ، وهو من يدرك أن التاريخ علم مهم ، من لا يتعلمه فهو ضائع ، والسياسة علم من لا يتقنها فانه هالك ، ومن الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي - ولحسن حظنا – لم يقرأ التاريخ ، ولا يتقن السياسة ، وتلك هو البداية المتوقعة لطريق نهاية حياته السياسية.
لم تكن أزمة نتنياهو بعد طوفان غزة هي الوحيدة ، بل هي بعد سلسلة كبيرة من الاحتجاجات والمظاهرات بدأت منذ بداية هذا العام ثم تجددت المظاهرات في شهر مارس، وتكررت طوال أشهر الصيف الماضي ، بسبب خطة حكومته للحد من سلطات القضاء، والتي تعتبرها المعارضة تهديدا للديموقراطية ، كما أثارت الأزمة انقسامات داخل الجيش ، في الوقت الذي يحاكم فيه نتنياهو بتهم فساد !
إذن كل تلك الجلبة التي يحدثها نتنياهو ما هي إلا الأنفاس الأخيرة التي يلفظها في حياته السياسية ، ومحاولة يائسة تتيح له الاستمرار في الحكم أو حتى الخروج منه خروج الأبطال ، وهذا ما فشل أيضا في تحقيقه ، نظرا لإن اتجاهًا كبيرًا داخل إسرائيل يرفض تلك الممارسات التي يرتكبها نتنياهو ، والتي حمَّلت إسرائيل العار أكثر مما هي محملة به !
حتى لو قتل نتنياهو أضعاف ما قتل ، وحتى لو سجن كل الشعب الفلسطيني ، ولو استعان بكل القوى في العالم الغربي واستمد منها المال والسلاح والدعم ، فهو قد انتهى سياسيًا ، بل ربما تكون نهاية إسرائيل على يديه ، لأنه ببساطه ينتمي إلى شعب بلا جذور ، يمكن إذا ما اشتدت الحرب عاد إلى بلاد الشتات التي جاء منها ، بينما هو يقتل شعبا ذو جذور قوية ممتدة في أرضها ، أرض فلسطين ، حيث اعتاد أطفالها ونسائها على مواجهة الموت قبل رجالها .