بينما تدخل الحرب على غزة أسبوعها الثالث، ومع كل يوم يستمر فيه القصف الإسرائيلى للمدنيين تتسع التظاهرات فى كل مدن العالم، حتى فى الدول التى أعلنت انحيازها للعدوان، وتجاهلت أصل القضية الفلسطينية، وتشهد مسيرات احتجاج على استمرار قتل المدنيين، خاصة أن الصور والفيديوهات من غزة تحمل المزيد من الضحايا وتعكس الوضع المأساوى، الذى يحرك ضمائر المواطنين، وترفع من اعتراضاتهم على حكوماتهم.
ولا شك أن العدوان نفسه يواجه مأزقا، خاصة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وحكومة الحرب المتطرفة، الذى لم يحقق أيا من النتائج والأهداف التى أعلنها، بالقضاء على المقاومة، بينما تتضاعف أعداد الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، ولا توجد أى دلائل على أن القصف المستمر على مدى أكثر من أسبوعين أدى إلى نتيجة، غير المزيد من الضحايا المدنيين، وهو ما يضع العدوان فى موقف الانتقام، بجانب فشله فى إزاحة سكان غزة، أو تخويفهم بالمزيد من القصف، وتأخر الاجتياح البرى، مع وجود تحذيرات من الوقوع فى خطأ الاجتياح البرى بما قد يجلبه من مزيد من الضحايا المدنيين، واحتمالات خسائر بين صفوف جيش الاحتلال مما قد يضاعف من الغضب داخل المجتمع الإسرائيلى، خاصة أن هناك توقعات بضحايا بين الرهائن.
كل هذا الواقع يجعل الوضع شديد الخطورة والموقف مشتعل ويهدد باتساع الصراع إقليميا بما يعكسه من خطر اندلاع حرب إقليمية، وتهديد لمصالح الدول الكبرى، خاصة من إشارات لفتح جبهات مختلفة، بجانب استمرار تورط الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل، يفقدها الكثير من حلفائها، ويضاعف من احتمالات الغضب عليها، ومعها المعسكر الغربى، الذى يدعم العدوان، منذ البداية.
كل هذه المعطيات تضع الاحتلال فى موقف معقد، ومهما تضاعفت عمليات القصف، فهى لا تنتج غير الضحايا المدنيين، ويفترض أن ينتهى القصف عند نقطة توقف تتجاوز الانتقام إلى أوراق محددة.
من هنا فإن قمة القاهرة للسلام وضعت الأمر فى واجهة الاهتمام، والدول الكبرى أمام مسؤولياتها، حيث إن الأزمة أعادت القضية الفلسطينية للواجهة بعد سنوات من التراجع، وحسمت الدولة المصرية الأمر، وأكد الرئيس رفض تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير المواطنين، وأكد الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، أمام قمة القاهرة، أن الشعب الفلسطينى لن يهجر أرضه وسيظل يدافع عنها.
ومن أهم ما تحقق فى قمة القاهرة، أنها وضعت الجميع أمام واقع ما يجرى، وجدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، التأكيد على مجموعة ثوابت للدولة المصرية، وأن استمرار القصف واستهداف المدنيين من شأنه أن يهدد السلم والاستقرار الإقليمى والدولى، وبالتالى فإن القمة تحذر من تطور الصراع إلى وضع لا يستطيع أحد التحكم فى نتائجه، مع تأكيد الرسالة المصرية التى أعلنها الرئيس السيسى واضحة فى رفض تهجير سكان قطاع غزة أو تصفية القضية على حساب دول أخرى خاصة مصر.
قمة القاهرة طرحت وساهمت فى تحريك المواقف وتحميل المجتمع الدولى للمسؤولية، إزاء تدهور الوضع الإنسانى فى القطاع وعواقب استمرار القصف للمدنيين، أو توسيع الهجوم، وحتى لو هناك دول داعمة، شاركت فى القمة، فإنها تتحمل مسؤولياتها وتواجه ردود أفعال شعبية بعدما اتضحت الرواية الحقيقية بعيدا عن الرواية الإسرائيلية، ثم إن الخلاف والتنوع بين الدول العربية وأوربا وأمريكا، كان موجودا ومعروفا، ولم يكن متوقعا أن يصل المشاركون إلى اتفاق تام، لكن هو طرح القضية بأبعادها، وتقديم ما يمكن أن تسفر عنه الأزمة فى حال استمرار الحرب، ثم إن الدول التى تحمل تأييدا للعدوان كانت تؤيد دخول المساعدات، وفتح معبر رفح بشكل مستدام، وهو ما تم بجهد دبلوماسى قامت به الدولة المصرية على مدى أيام وكسرت التعنت الإسرائيلى، وظهر ذلك فى توجيه الشكر للدولة المصرية من الدول والمنظمات الدولية، وفتح المعبر يعد تأكيدا على نجاح جهد مستمر.
وبالتالى لم يكن الرهان على أن تغير الدول الكبرى مواقفها، المعروفة، والتى ظهرت من البداية، وانعكست فى كلمات وفود الدول الغربية، والتى أصبحت أمام واقع يتغير فى مجتمعاتها، من خلال حركة المجتمع المدنى والرأى العام العالمى الذى قد يمثل عاملا من عوامل تعديل المواقف، خاصة أن بيان الرئاسة المصرية كان واضحا فى مطالبة المجتمع الدولى بالتدخل لوقف عمليات الإبادة والانتهاكات الإنسانية ضد المدنيين، ورفض كل أشكال التهجير القسرى ضد سكان غزة والضفة الغربية.
الشاهد أن قمة القاهرة للسلام، تكتسب أهميتها من أنها تمت فى مصر، وهى أكثر دولة تعرف الحرب والسلام، ولهذا شهدت القمة تمثيلا إقليميا ودوليا كبيرا، ووضعت القضية الفلسطينية ومسارات السلام على الطاولة، ومهما كان الأمر يبدو معقدا وسط أصوات الانتقام الإسرائيلى، فسوف ينتهى إلى نقطة التقاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة