ما حدث من الناحية العملية من جمع مصر لأغلب دول العالم بقمة القاهرة للسلام، يدل على عظمة الدولة المصرية دولة الحرب والسلام، دولة الحضارة والتاريخ، الدولة التي لها مواقفٌ وبطولاتٌ سجلها التاريخ على مر العصور، وهذا الأمر ليس بالجديد ولا يقبل المزايدة من أحدٍ، ولكن حقيقةً واقعيةً يقر بها القاصي والداني.
وانطلاقا من ذلك وتفعيلاً لمبدأ التعاون جاءت كلمات القيادة السياسية المصرية بقمة السلام بالقاهرة ركزت علي عدة نقاط، من أهمها الإتحاد لأننا باتحاد إدارتنا وعزمنا، نصبح أعظم قوةٍ على كافة الأصعدة ويهابنا العالم وكل متربصٍ، وأن تصفية القضية الفلسطينية، دون حلٍ عادلٍ، لن يحدث على حساب الدولة المصرية أو أي دولة عربية أخري فالحل الوحيد القائم والمقبول هو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وقد جاء تأكيد القيادة المصرية على الرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية في سيناء أو إلى دول الجوار؛ فذلك، ليس إلا تصفيةً نهائيةً للقضية الفلسطينية، وإنهاء لحلم العروبة بالدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني الصامد، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، فقد أكدت القيادة الفلسطينية والشعب قبلها، التمسك بأرضه والموت دون تركها أو التهجير منها، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال، أو القصف.
وتتمتع الدولة المصرية بتاريخٍ طويلٍ وغنيٍ من متابعة القضية الفلسطينية والذود عنها، يعود تاريخه إلى أكثر من نصف قرنٍ باعتبارها داعمًا رئيساً للقضية الفلسطينية، ولعبت الدولة المصرية دورًا بارزًا في قيادة المؤتمرات والمبادرات الدولية الهادفة إلى تحقيق حل الدولتين، على مر السنين والتزمت مصر التزاماً راسخاً بالقضية الفلسطينية، وعملت كوسيطٍ في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وهذا الدور التاريخي جعل من مصر قوةً رئيسةً في حل القضية الفلسطينية انطلاقاً من دورها الريادي والمتفرد.
واقترحت الدولة المصرية بقمة السلام بالقاهرة خارطة طريقٍ للقضية الفلسطينية، لإنهاء المأساة الإنسانية الحالية وإحلال عملية السلام ووقف إطلاق النار، لإنهاء التصعيد العسكري في غزة والعقاب الجمعي للشعب الفلسطيني، وضرورة وجود حمايةٍ دوليةٍ ومساندةٍ للشعب الفلسطيني لردع الممارسات اللاإنسانية الممارسة ضده من تهجيرٍ وتجويعٍ وقتلٍ، والمساعدة بقوةٍ في تخفيف المعاناة الفلسطينية وتقديم المساعدات لهم بصورةٍ كاملةٍ وآمنةٍ وسريعةٍ ومستدامةٍ، والشروع بهدنةٍ بهدف إنهاء المأساة اللاإنسانية الحالية وتوفير العدالة للفلسطينيين.
مع التأكيد على حق الشعب في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية لتحقيق حل الدولتين وإرساء شرعية الدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس الشرقية التي تعيش جنباً إلى جنبٍ مع إسرائيل على أساس قرارات المجتمع الدولي وتحقيق التعايش السلمي القائمٌ على العدل.
وتعكس خارطة الطريق بصيص نورٍ يلوح بالأفق لمستقبل القضية الفلسطينية التزاماً من الدولة المصرية بإيجاد حلٍ سلميٍ وعادلٍ للأزمة الحالية رغم التحديات والعقبات التي تواجه القضية الفلسطينية وأهالي عزة والمنطقة بأكملها، ويعتمد نجاح خارطة الطريق على رغبة جميع الأطراف المعنية في الدخول في حوارٍ بناءٍ والعمل على تحقيق الأهداف المشتركة بالإضافة إلى المساندة والدعم الإقليمي والدولي الحاسم لضمان تنفيذ الحلول المقترحة وإحلال السلام بالمنطقة والعالم.
والقارئ للمشهد يري أن قرارات وأحكام القيادة السياسية ذات الرؤية المستقبلية ورسم خارطة للطريق، لم تكن مبنيةً على أهواءٍ، بل نابعةً من وعيٍ شعبيٍ واسعٍ ومخاوفٍ بشأن توسع دائرة الصراع بالمنطقة، وثقةٍ لا متناهيةٍ في السيادة المصرية وجيشنا العظيم والأجهزة الأمنية وعلى رأسها جميعاً الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد بكل وضوح على الحفاظ على استقلال البلاد ووحدة الأرض، بالرغم ما يمارس عليه من ضغوط بالمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب التي تقف وراء إسرائيل وتدعمها لتحقيق حلمها المستحيل في التوسع.
ويأتي ذلك في ظل ظروفٍ وأحداثٍ تاريخيةٍ حاسمةٍ للغاية إلا أن الثوابت الراسخة للدولة المصرية وقيادتها الحكيمة، لا تعترف بالتغيرات السريعة؛ فقد أُعلن وبوضوحٍ من قبل القيادة والشعب العظيم، أن أمن مصر القومي خطٌ أحمرٌ، والرفض التام لتهجير أهل غزة قسراً إلى شبه جزيرة سيناء؛ فالدولة المصرية دولة ذات سيادة وفلسطين دولةٌ لها قضيةٌ عبر تاريخ البشرية، وكانت الدولة المصرية وما زالت مؤيدةً للقضية الفلسطينية، وتقف معها يداً بيدٍ لحين استرداد الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن حل القضية الفلسطينية يتطلب مفاوضاتٍ جادةً بين الجانبين، وقد عُقدت في الماضي عدة جولاتٍ من المفاوضات شارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بالإضافة إلى وسطاء دوليين، والدولة المصرية لا تزال تؤدي دورًا نشطًا في المساعي الدبلوماسية وجميع الدول العربية؛ لتحقيق السلام في المنطقة، بما في ذلك دعم الجهود الرامية إلى إحلال الاستقرار والتوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية.
ولكن لم يتم التوصل بعد إلى حلٍ دائمٍ وشاملٍ ومستدامٍ للقضية الفلسطينية، فجل الاهتمام كان موجه للسيطرة على الصراع بدلاً من إنهائه بشكلٍ دائمٍ، مع محاولاتٍ لطمس أو فقدان ومحو الهوية العربية، وفقدان التطلعات والآمال بإقامة الدولة الفلسطينية، ولكن هيهات فكل عربيٍ ممثلٍ للقضية الفلسطينية يسعي لإقامة الدولة الفلسطينية التي تُجسد الهوية العربية الفلسطينية ويفخر بالانتماء لها، ودونها مازالت تُراق الدماء الغالية للشعب الأبي الصامد على أرضه.
وقد نجحت الدولة المصرية وسط هذه الأحداث الجلل، عقد قمة القاهرة للسلام مصحوبةً بزخم التفويض الشعبي للقيادة السياسية في مواقفها وقرارتها وتأييداً للدولة الفلسطينية حكومةً وشعباً، في وضع القضية الفلسطينية في صدارة اهتمامات العالم كله وتغيير نظرة المجتمع الغربي ووضعه أمام مسؤوليته التاريخية لسرعة التحرك ووقف الاعتداءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرض لأزمةٍ إنسانيةٍ غير مسبوقةٍ في قطاع غزة، وتبني موقف موحدٍ يُدين استهداف المدنيين من الجانبين انسجاماً مع القيم المشتركة للقانون الدولي.
لذلك يجب الانتباه الكامل، للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، بما يهدد استقرار المنطقة والعالم بأسره، ويهدد السلم والأمن الدوليين ويهدم قيم الحضارة؛ فقيم الحضارة الإنسانية التي بُنيت على مر العصور تعتبر أساسًا مهمًا للحفاظ على الاستقرار والسلم العالميين؛ فحماية هذه القيم والمحافظة عليها يعتبر تحديًا مهمًا في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة والعالم.
ولقد نجحت الدولة المصرية في وضع دول العالم تحت المجهر لكشف ازدواجية المعايير والعدالة الزائفة والكاذبة، وخاصة تلك الدول التي دعمت الاحتلال بصورةٍ فجةٍ والتي طالما تحدثت عن مبادئ حقوق الإنسان والعدالة، دون ممارسة حقيقةٍ لها، ولكنها شعاراتٌ جوفاء تطلق ويكذبها الواقع المعاش بهذه الدول، وتدل على الكيل بعدة مكاييلٍ تبعاً لمصالحها الشخصية؛ وهذا وضع صدق مناشداتها التي كثيراً ما تطلقها لمراعاة حقوق الأنسان والقيم الإنسانية والعدالة موضع ارتياب ومسائلةٍ ومكاشفةٍ.
ولتحقيق العدالة والاستقرار والسلام والتعايش السلمي، يجب أن يكون هناك إدراكٌ وانتباهٌ كاملٌ للصراعات الموجودة والمحتملة بالمنطقة والتوترات الإقليمية والدولية، ويجب أن تكون الدول والمجتمعات ملتزمةً بقواعد القانون الدولي ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان والحرص على وجود مائدة حوارٍ وتعاونٍ دبلوماسي بين الدول والمجتمعات المختلفة، لحل النزاعات بشكلٍ سلميٍ وعادلٍ ومستدامٍ.
حفظ الله وطننا الغالي وبلادنا العربية وقيادتنا السياسية الرشيدة وشعوبنا العربية الأبية أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة