تحل اليوم ذكرى تشكيل سعد زغلول أول وزارة شعبية في مصر عام 1924 بعد انتخابات فاز فيها مناصروه بمعظم مقاعد البرلمان على أنَّ المتاعب قد صادمت الوزارة السعدية من اللحظة الأولى وفقًا لما ذكره عباس محمود العقاد في كتاب "سعيد زغلول زعيم الثورة"، ولا سيما في مسألة السودان.
فلما أراد أن ينص في خطاب العرش على الاستقلال التام لمصر والسودان، حال بينه وبين ذلك عبارة الإنذار الذي وجهته بريطانيا العظمى إلى جلالة الملك مباشرة في عهد الوزارة النسيمية لاشتمال الدستور على اسم "ملك مصر والسودان" ولم يشأ صاحب العرش أن يستهدف لأزمة أخرى من ذلك القبيل؛ فاستغنى سعد عن عبارة تحقيق الاستقلال التام لمصر والسودان بعبارة "تحقيق الأماني القومية بالنسبة لمصر والسودان".
وهي العبارة التي أوشكت أن تدفع بسعد إلى الاستقالة، حين تعرض النواب لها بالتعديل والتفسير، وقد أتبعها في بعض أحاديثه بتفسير يقول فيه: إنَّ الآمال القومية هي الاستقلال التام.
وما زالت مسألة السودان مثار السؤال والجدل والإحراج والتعنت من خصوم سعد الإنجليز والمصريين في وقت واحد، كلا الفريقين يريد أن ينقلب المنصب الوزاري على سعد شَرَكًا مُرديًا، وكلاهما يريد أن يرى كيف يعجز ويفشل، ولا يريد أن يرى كيف يقتدر وينجو بكرامة الزعامة وكرامة القضية.
فالمعارضون في مجلس النواب يطالبون بعرض ميزانية السودان كما كانت تُعرض على مجلس الشورى، وهي أحرى أن تُعرض على أول برلمان.
والموظفون الإنجليز في السودان يجمعون الأذناب والأتباع ليعلنوا ولاءهم للحكومة البريطانية دون غيرها، واستمساكهم بالتبعية والإخلاص لتلك الحكومة العادلة المحبوبة تعريضًا بحكومة المصريين.
وإذا قوبلت هذه المظاهرة بمظاهرة من السودانيين المتعلقين بوحدة وادي النيل حلَّ بهم البطش الشديد، وحاق بهم العذاب الأليم.
فإذا شَكَوْا إلى الحكومة السعدية وليس لهم من يشكون إليه غيرها فخصوم سعد الإنجليز يمعنون في إحراجه بزيادة البطش والتعذيب، وخصومه المصريون يمعنون في إحراجه بطلب الإفراج عن المعاقبين، وتعجيل الحساب والعقاب للموظفين المسئولين، وكان من هذا وذاك أنه استقال، ولم يكد يمضي على الوزارة ثلاثة أشهر.
استقال بعد تصريح اللورد بارمور باسم الحكومة البريطانية حكومة العمال "بأن الحكومة البريطانية لن تترك السودان بأي معنًى كان" فأجاب سعد على هذا التصريح بتصريح مثله في مجلسَي النواب والشيوخ جاء فيه:
إنني بالنيابة عن الشعب المصري جميعه، وفي حضرتكم الموقرة، أصرح بأن الأمة المصرية لن تتنازل عن السودان ما حييت وما عاشت … إنَّ حقوق الأمم لا تضيع بمجرد أن يقول الغاصب إني أريد أن أتمتع بها دون أصحابها … نعم أيها السادة، لا يمكننا مطلقًا أن نتنازل عن السودان، لا لأنه مستعمرة، بل لأنه جزء من كياننا، بل لأنه منبع حياتنا، بل لأنه لا يمكن لمصر أن تعيش بدون السودان أصلًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة