قام الكاتب الفرنسي المعروف جوستاف فلوبير مع المصور ماكسيم دو كامب برحلة إلى بلاد الشرق في منتصف القرن التاسع عشر بدءًا من عام 1849 وقد جمعت الصور في كتاب "مصر وبلاد النوبة وفلسطين وسوريا"، رسوم فوتوغرافية جمعت سنوات 1849 و1850 و1851"
عاد جوستاف فلوبير مع "دو كامب" بالصور ووقد اكتسب الأخير شهرته كمصور لا كأديب إذ عاد من جولته حاملا معه أكثر من 200 صورة التقطها بتقنية في أقل من سنة.
و كان "ماكسيم دو كامب يعرف تركيا التي أقام فيها سنة 1834 و التي عاد منها بكتاب "ذكريات و مناظر طبيعية من المشرق : إزمير و ماجنيسيا و أفسس و القسطنطينية" وإذ كلف بمهمة أثرية من قبل وزارة التعليم واستجابة لولع الأوروبيين بمصر القديمة وبالأرض المقدسة، فإنه خص موقعي حوض النيل وفلسطين برحلة فوتوغرافية تحت عنوان "مصر وبلاد النوبة وفلسطين وسوريا".
ولاقت النسخ رواجا كبيرا رغم ثمنها الباهظ و خصصت لها "لا لوميار"، وهي أول مجلة مخصصة للتصوير الفوتوغرافي، عددا خاصا وأثنت الصحف على تلك الرحلة الفوتوغرافية و تلقى "دو كامب" العديد من الأوسمة و سمي ضابط وسام جوقة الشرف مما أثار استياء رفيقه في سفراته "فلوبير" الذي كتب إلى "لويز كولي" : "عجبا لزمان يوسم فيه المصورون وينفى فيه الشعراء" وفقا لما كتبته كاترين بينقي، الحائزة على شهادة دكتوراه في الآداب والباحثة في مركز الدراسات التركية والعثمانية والبلقانية والآسيوسطية.
وكان "فلوبير" يحتقر كثيرا أدب الرحلة وأبدى نفس القسوة في حكمه على سرد "دو كامب" لرحلتهما الاستطلاعية إلى النيل معتبرا أن "غرابة ذلك الكتاب تكمن في تفاهته" و "تنبثق منه رائحة العمل المسفسف" و "الأثر ذي الصبغة التجارية".
وذكر "فلوبير" في العديد من المواضع من مراسلاته ما أسماه" الهياج الفوتوغرافي" لزميله في رحلة الشرق "دو كامب" وأشار "فلوبير" أيضا إلى أن "ماكسيم تخلى عن فن التصوير في بيروت" في أكتوبر سنة 1850 إذ قام ببيع آلات التصوير "إلى هاو مسعور" قبل التوجه إلى "رودس" ثم إزمير والقسطنطينية.
وكانت صور "دو كامب" قطعا وثائقية وهو الأمر الذي تطرق إليه مرار قائلا إنه امتثل لتعليمات أكاديمية النقوش والآداب، وكان هدفه الحصول على صور تمكنه من إعادة تشكيل دقيقة لأكثر المعالم والمواقع تميزا وهو الأمر الذي يمثل بالنسبة للكاتب تقنية ساذجة في بعض الحالات وإن كانت تخلو من أي جودة فنية.
وتتطابق آراء جوستاف فلوبير في هذا الموضوع مع وجهة نظر "بودلار" الذي أهدى له قصيدة "الرحلة" والذي ثار في "مجلس سنة 1859" ضد فكرة أن فن التصوير الفوتوغرافي "بإمكانه أن يحل مكان الأدب في العديد من المواضع".
وحصد "دو كامب" في المعرض الكوني بباريس سنة 1855 ميدالية مقابل كتابه الرائد ومع مرور الأعوام كتب إلى الرسام المختص بالمشرق "أوجين فرومنتان" أنه بإمكانه أن ينهل كما يشاء من أعماله، فهم لم يعد "يكترث لها" بعد أن استفاد من هذه التجربة استفادة كاملة.
النوبة 1850
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة