50 عاما مرت بالتمام والكمال على حرب أكتوبر 1973، وما زالت ذكرى النصر تأتى مفعمة بالفخر والعزة لكل مصري، سواء من عاصرها أم سمعها سردا من أفواه أناس عاشوها، أو حتى قرأ حكايتها فى الكتب، فكل مصرى وطنى، يشعر بالزهو والكبرياء والشمم بهذا النصر، الذى أعطى الحياة للعرب من جديد، وأعاد لهم العزة والكرامة، كما عبرت عن ذلك صحيفة ديلى ميل البريطانية فى السابع من أكتوبر 1973 حينما كتبت "لقد محت هذه الحرب شعور الهوان عند العرب وجرحت كبرياء إسرائيل"، وأيضا كما كتبت صحيفة الديلى تلجراف البريطانية فى ثانى أيام الحرب "لقد غيرت حرب أكتوبر مجرى التاريخ بالنسبة لمصر وبالنسبة للشرق الأوسط بأسره ".
بعد انكسار 1967، روّج العدو الإسرائيلى عن نفسه أكذوبة "الجيش الذى لا يقهر"، مستندا إلى الخسائر الكبيرة التى لحقت بالجيش المصرى، والتى عبر عنها موشى ديان وزير دفاعهم الأسبق حينما أكد أن «مصر تحتاج إلى نحو 50 عاما لإعادة بناء ما تم تدميره فى حرب 5 يونيو 1967»، ولترسيخ الوضع القائم بدأت إسرائيل فى بناء وتدعيم خط المواجهة شرق القناة، ليصبح من المستحيل اجتيازه، واعتمدت فى ذلك على فكرة التحصين "الثلاثى" ليصبح من المستحيل على أى جيش مجرد التفكير فى شن هجوم أو عبور القناة، حيث زرعت أنابيب النابالم الحارقة فى جوف مياه القناة، لتطلقها عند الحاجة، كما أنشأت ساترا ترابيا مهولا أعلى الشاطئ الشرقى للقناة، يتراوح ارتفاعه من 20 إلى 22 مترا ويميل بشكل حاد بانحدار 45 درجة لمنع أى شخص من عبوره، ثم خط بارليف الذى قال عنه الخبراء العسكريون فى العالم أنه أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث، حيث يمتد حتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة بطول 170 كم ويضم خطا بـ22 موقعا دفاعيا، و36 نقطة حصينة.
كل المعطيات وآراء خبراء الأكاديميات العسكرية فى العالم كانت تؤكد على استحالة أن تفكر مصر فى الحرب، وأن أى محاولة لذلك هى الانتحار بعينه، ولكن غاب عن هؤلاء أن المصرى لا ينكسر أبدا ولا يرضى بالهزيمة، وأن التاريخ يشهد أن المصرى يقتنص النصر من فم الانكسار، وأن عزته وشموخه يتحطم أمامها المستحيل، وقد حدث، وبعد أعظم خطة خداع حربى فى التاريخ الحديث، عبر جنود مصر الأبطال تلك المستحيلات الثلاث، فى ملحمة عظيمة كانت بمثابة لحظة فارقة فى تاريخ الأمة العربية، وزرعوا راياتهم خفاقة عالية على أرضهم الحبيبة أرض الفيروز، وقدموا أروع الصور عن الشجاعة والإقدام، وأذاقوا العدو الإسرائيلى مر الهزيمة وذل الانكسار، فى يوم خالد فى تاريخ الأمة، وعبر الرئيس السيسى عن قيمة هذا اليوم العظيم فى تاريخ مصر حين قال خلال كلمته بالندوة التثقيفية بمناسبة الذكرى الـ"50" لانتصار السادس من أكتوبر عام 1973" أنه يوم حولت فيه مصر الجرح وآلامه إلى طاقة عمل عظيمة، عبرت بها الحاجز الذى كان منيعًا، بين الهزيمة والنصر، وبين الانكسار والكبرياء وأزالت بعقول وسواعد أبنائها، جميع أسوار الحصار واليأس لتنطلق، حاملة مشاعل الأمل والنور، للشعب المصري، والأمة العربية".
حكايات النصر، لا تنتهى، وحواديت الفداء والتضحية التى شهدتها الحرب تضيق بها المجلدات، وما روى عنها كان أقل القليل، فقد شهدت هذه الحرب أروع قصص التفانى فى حب الوطن، وسطرت أجمل آيات الحب لتراب هذا البلد، وكان كل جندى وضابط صف وضابط بمثابة جيش بمفرده، كانوا أسودا تزأر، ووحوشا تقاتل لتسترد أرضها وكرامتها وعزتها، وتؤمن لمستقبل أبنائها العيش بشموخ وكبرياء، وقد كان الرئيس البطل أنور السادات معبرا عن ذلك فى كلمته أمام مجلس الشعب بعد النصر حينما قال: "سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة فى فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء".
سوف يظل نصر أكتوبر المشعل المضئ لطريق الأمل لكل الأجيال، وطاقة النور العظيمة التى يستمد منها المصريون القوة اللازمة لمحاربة اليأس، والتغلب على كافة الصعوبات، والخروج من كل الأزمات مهما كانت خانقة ومحبطة، فتحية لكل رجال القوات المسلحة البواسل الذين سطروا بدمائهم أعظم حكايات النصر والفداء، التى كانت ومازالت نبراسا ورمزا للتفانى والعطاء لإعلاء كلمة الوطن، وتحية لشعب مصر الأبى الذى ساند جيشه العظيم وتحمل فوق طاقته واحتمل وآثر توجيه كافة موارد الدولة لدعم المجهود الحربى حتى تحقق النصر الذى أبهر العالم، وكان فخرا لمصر والعرب، وأصبح نصر أكتوبر أيقونة للإرادة والعزيمة وأنشودة للعزة والأمل والكرامة ترويها الأجيال، ويفتخر بها الأحفاد.