خالي العزيز أحمد.. تحية طيبة وبعد،،
تأخر هذا الخطاب عن صندوق بريدك لأكثر من 50 عاما، لكنني لا أشك لحظة أنه سيصلك، كبقية الخطابات التي آنستك على الجبهة وحملت لك رائحة البيت والأحباب وعادت بعد النصر في ذلك الصندوق المهيب، مخضبة بدمائك مثل باقي متعلقاتك التي كانت قرب صدرك حين اخترقته رصاصة العدو. في طفولتي كنت أشعر بفخر واعتزاز كلما احتفت المدرسة بانتصارات أكتوبر. أنتقل من فصل لآخر على مدار سنوات دراستي وأخبر أصدقائي الجدد باعتزاز "أتعلمون؟ لي خال شهيد! استشهد في حرب أكتوبر".
لسنوات كان خيالي الطفولي يصور لي أنك أنت ذلك الجندي الذي يرفع العلم على الجبهة. حين غادرت مرحلة الطفولة كنت أخجل من سذاجتي لأنني توهمت لسنوات تلك الفكرة، ولكنني الآن أظن خيالي الطفولي لم يكن مخطئا بالكامل، فكل من شارك في تحقيق هذا النصر كانت يده بشكل ما مع ذلك الجندي الباسل ترفع الراية على الجبهة.
أدرك الآن أن ذلك الاعتزاز العميق ومباهاتي بك أمام أصدقائي في المدرسة، أكبر من مشاعر الفخر الطفولية، إنما هي امتداد لذلك الاعتزاز الذي حملته وأسرتك وأصدقائك بكونك مقاتلا قبل أن تكون شهيدا. يفتتحون الخطابات ويزيلونها بزهو بأنها مرسلة للمقاتل أحمد محمد جعفر في الوحدة كذا والكتيبة كذا.
يبادلك أصدقاؤك على الجبهة الفخر ذاته فيرسل أحدهم إليك من كتيبته "أشعر بالاطمئنان لأنك الآن مقاتل، وأنا مثلك على خط النار، فسوف يكون نصر أمتنا العربية على أيدينا وأيدي أبطال يستشهدون في سبيل مصر واسترداد كرامتها وأراضيها".
في خطاباتكم المتبادلة قبل الحرب بأسابيع وحتى أيام، ترسلون السلامات والتحية وحتى الأغنيات العاطفية والأهم، عبارات التشجيع والأمل والتفاؤل "لأن معارك نضالنا ما زالت مستمرة حتى نحقق النصر إن شاء الله".
الآن بعد 50 عاما، أقرأ تلك الخطابات وأفهم أن انتصارا بهذا الحجم كان بلا شك وراءه إيمان بهذا الحجم بأن النصر قادم، واستعدادا ورضا ببذل الروح لأجل هذا البلد العظيم والحفاظ عليه، إيمانا تخطى حدود الجبهة وامتلأ به قلب الوطن كله.