ليس أسوأ ما في القصف الإسرائيلي برعاية الغرب، أنه يقتل أطفال غزة، بل أنه يحولنا نحن البعيدين عن القصف إلى لا شيء.
واللا شيء العربي له طبيعته الخاصة، التي تنبع من عدم إدراكه لا شيئيته، فيتصرف وكأنه شيء، فيتجول ويحب ويكره ويلعب كرة القدم ويدخل السينما، ويكتب الشعر والرواية، بل والمقال السياسي أيضا.
ويلوم اللا شيء الممتلئ حزنا، جاره اللاشيء غير المكترس، ويتهم اللا شيء العروبي، اللا شيء الوطني، ويرد اللاشيء الوطني باتهام اللا شيء العروبي أيضا.
ويلوم اللا شيء الديني، اللا شيء العلماني لتفكيره البعيد عن الدين، ويدفع اللاشيء العلماني عن نفسه باتهام اللاشيء الديني بالتخلف والرجعية.
واللا أشياء ليست على منوال واحد، فهناك اللاشيء الفقير، يحقد على اللاشيء الغني، ولا شيء آخر زاهد يلوم اللا شيء الفقير على حقده، واللا شيء الغني لجشعه.
وهناك لا شيء قبيح، ولا شيء جميل، ولا شيء خشن وفاجومي مبعثر لا عقلاني وفوضوي، يختلف عنه اللا شيء الناعم العقلاني المنظم المتحضر، ولا شيء هادئ لطيف، ولا شيء ثرثار وصاخب.
وتتزاحم اللا أشياء ويعلو ضجيجها وتتنافس على إنتاج ماذا؟ على إنتاج لا شيء.
وكل اللا أشياء تنمو وتكبر وتحلم وتزداد يقينا وثقة وطموحا، إلا نوع واحد من أنواع اللا شيء، يخجل، فيبكي، وينزوي ويتضاءل ويضمر ويتلاشى رويدا رويدا، وهو هذا النوع من اللاشيء، الذي يدرك أنه ها هنا "لا شيء".