مها عبد القادر

توعية الشعوب بالصراعات وما يحاك للدول

الجمعة، 10 نوفمبر 2023 04:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يشهد العالم والمنطقة صراعاتٍ عسكريةٍ متواليةٍ تؤدي حتمًا لضعف الاستقرار على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية والعسكرية والاقتصادية والبيئية، وتهدف التوعية بآثار الصراعات والحروب إلى زيادة الفهم والإدراك للعواقب المترتبة عليها خاصةً الاجتماعية والشخصية؛ حيث تعتبر الصراعات من أكثر الأحداث المدمرة والمأساوية التي تؤثر على حياة الإنسان والمجتمع ككلٍ، وتصل هذه الأثار لحالةٍ مزمنةٍ يصعب معالجتها على المدى القريب؛ إذ تستهلك المقدرات المادية والبشرية على السواء، وتحدث شروخًا لا تلتأم بين الشعوب والمجتمعات محل الصراع، مهما حققت من مكاسب لطرفٍ على حساب طرفٍ؛ ففي نهاية المطاف الجميع خاسرٌ دون مواربةٍ.

 

وهناك أسبابٌ عديدةٌ لانتشار الصراعات والحروب داخلياً وخارجياً، وهي تكاد تكون متشابكةً ومترابطةً، ومن أهمها الصراعات القومية والعرقية، التي قد تؤدي إلى تصعيد التوترات السياسية والاجتماعية واندلاع النزاعات المسلحة فعندما يكون هناك صراعٌ على سلطة أو انقساماتٌ عميقةٌ أو احتلالٌ غاشمٌ يمارس العدوان السافر اللاإنساني والعقاب الجمعي والتهجير أو الإبادة الجماعية؛ فإن ذلك يؤدي إلى اندلاع الحروب واستمرار العنف والقتل وهدر دماء الأبرياء، وعدم الاستقرار.

 

كما أن التدخل الخارجي المنحاز لأحد الطرفين والمتجاهل للاتفاقات والمعاهدات الدولية التي أقرها القانون الدولي، والتنصل لها بشعاراتٍ ومبرراتٍ زائفةٍ، واستخدام القوة العسكرية الغاشمة ضد الشعب الأعزل، مما يزيد من التوترات وتظهر الرغبات الخبيثة للسيطرة على الموارد الطبيعية والاقتصادية، دون الإنصات أو إعمالٍ لصوت العقل والحكمة لتحقيق مأربٍ ومنافعٍ شخصيةٍ ومخططاتٍ مستهدفةٍ.

 

وينبغي أن يدرك جموع الشعب المصري على وجه الخصوص الأثار المترتبة على الحروب؛ فنتائجها سلبية على كافة مظاهر الحياة وعلى الأفراد والمجتمعات، وتتأثر كافة القطاعات بالدولة دون استثناءٍ، وفي مقدمة تلك القطاعات ما يرتبط بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي؛ فبواسطة الألة الحربية يتم تدمير البنى التحتية والفوقية وتصبح مناطق النزاع خرابًا لسنواتٍ طوالٍ، وتندثر الممتلكات والمقدرات الخاصة بالدولة والشعب للأبد.

 

وتشمل كذلك عمليات القتل والإصابات والتهجير والتلوث البيئي والتدهور الاقتصادي وانعدام الأمن والاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان كما تؤثر الحرب أيضًا على الصحة العقلية والعاطفية للفرد؛ إذ تتغير المعتقدات والاتجاهات لتصبح في المسار السلبي الذي لا يحمل إلا اليائس والحقد والكره والبغض وتنامي الرغبة في الثأر والانتقام، وتترك أثاراً عميقةً ودائمةً على الأجيال القادمة، يهلك فيها الحرث والنسل والأخضر واليابس.

 

وليعلم الشعب المصري العظيم أن أثار الحروب مدمرةٌ وتزيد من المشكلات والتحديات التي تواجهها الدول تأزمًا؛ حيث تهرب رؤوس الأموال وكافة صور الاستثمارات للخارج بحثًا عن وطنٍ آمنٍ؛ فعزوف المستثمر عن مناطق الصراع أمرٌ منطقيٌ يرتبط بالعقيدة الاقتصادية في العالم كله التي يبحث عن وطن مستقر ينعم بالأمان يسير بخطىً ثابتةٍ واثقةٍ علي طريق التنمية والنهضة؛ فلا مجال للمخاطرة أو المجازفة التي قد تؤدي إلى الخسارة المحققة والمتوقعة، فكما يقال رأس المال جبانٌ يبحث عن الحماية وضمان المكسب من خلال السلام والاستقرار والمشروعات التنموية المستدامة.

 

ونحن بصدد العمل النهضوي ومسيرة التنمية والإنجازات غير المسبوقة المستمرة ببلادنا المحروسة والمحفوظة بإذن الله، تتحرى دومًا قيادتنا السياسية الحكيمة دروب السلم والسلام؛ لتحقيق غايات الوطن الكبرى وفي مقدمتها الحفاظ على مكتسباته ومقدراته والعمل على تنميته ليخرج من حالة العوز والاحتياج، لحالة الرضا والاكتفاء الذاتي مكللاً بالعدالة والمساواة، وصولاً لجودة الحياة المستحقة لشعبٍ عظيمٍ داعمٍ لدولته المصرية يصطف خلف قيادته السياسية بدون قيدٍ أو شرطٍ واعياً بخطورة الحروب وأثارها.

 

كما أن الحروب تحدث شروخًا خطيرةً في النسق القيمي وتبدله لدى المجتمع؛ إذ يضعف الوازع العقدي، وتختل منظومة القيم لدى الشعوب؛ نتيجةً للصدع المتفاقم عن عدم الثقة وتفشي الشائعات المغرضة والفتن التي تبثها أصحاب الأجندات الخاصة وجماعات الظلام لإحداث حالةٍ من الانقسامات داخل الدولة لسهولة شق الصف، ومن ثم ينحرف السلوك بكل سهولةٍ ويسرٍ إلي دائرةٍ ودوامةٍ من الصراعات اللامتناهية، التي تجسد لدى الفرد مقومات القلق والخوف واليأس والقنوط، والزهد في الحياة والرغبة في إلقاء النفس بالتهلكة، والنظرة المقيتة المتشائمة شديدة السواد لما يحمله المستقبل من مجريات الأمور ومآلها التي علمها عند الله.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يسود التفكك بكيان المجتمع؛ فلا عائل ولا رئيس ومرؤوس، ولا أدوارٌ ومسئولياتٌ تذكر؛ حيث تروج حالةُ الإجرام والسرقة والتجارة المحرمة، وتجارة السلاح والبشر بشكلٍ مفرطٍ، ناهيك عن حالة العصابية والعدوانية التي تسبقها همجيةٍ غير مبررةٍ، وصولًا لعنصرية تهلك نسيج المجتمع وتصل به إلى عصور الظلام؛ فتعود عادات الأخذ بالثأر والتصفيات لأجل أغراضٍ مقيتةٍ يصعب حصرها، وتقويض دور الدولة، وانفلات الأمني ونشر الفوضى في كافة ربوع الوطن، وفقد الدولة مواردها، وانتشار الأمراض والأوبئة والفقر، وتفاقم البطالة لتصل لمعدلاتها القصوى، وكثرة الهجرة و التهجير.

 

وفي المقابل تعجز الدولة عن تفعيل العقوبات التي تحد من الجرائم التي تساعد في انهيار المجتمع؛ لانشغالها بالذود عن الوطن والدفاع عنه والقضاء علي جماعات الشر والظلام التي تهدف للخراب التام، والنيل من سيادتها وانتهاك مؤسساتها الوطنية، واغتصاب مقدرات الدولة، ومواطنيها، وفي هذا المقام الضيق يصعب بحالٍ حصر سلبيات الحروب على الدول؛ فاندفاع الجيوش نحو الحروب لأسبابٍ يمكن تداركها، والعمل على التعامل معها بطرائق سليمةٍ والجلوس علي موائد الحوار والتفاهم، أفضل من ميراث التدمير والألم؛ فالسير في سبيل السلام  والإنسانية أفضل من السير في طريق الكراهية والخراب .

 

ومن هنا تأتي الأهمية الملحة لتوعية وتثقيف الشعوب حول آثار الحروب، ومعرفة أسبابها وأبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والأثار المترتبة عليها وتأثيرها المدمر علي العالم أجمع، وذلك يتطلب جهدًا مستدامًا ومتعدد المراحل، ووجود رغبةٍ حقيقيةٍ وجهدٍ مبذولٍ للحوار والتفاهم وبذل الغالي والنفيس لردع الصراع وتجنب ويلات الحروب، والسعي في المحافظة على الوطن، وبناء مجتمعٍ سلميٍ مستقرٍ ومستدامٍ.

 

ويحدث هذا من خلال رفع مستوى الوعي المسؤول والمعرفة الشاملة الصحيحة من مصادرها الرسمية الموثقة انطلاقاً من مبدأ الشفافية ومصارحة الشعب بالحقائق واطلاعه على المعلومات السليمة وليصطف داعماً خلف دولته وقيادته السياسية، وحتى تستطيع الشعوب أن تلعب دورًا مهمًا في العمل والتعايش السلمي ومنع الصراعات والحروب المستقبلية أو اندلاعها والمحافظة على حالة الاستقرار والسلم والسلام، المنطلق من القوة والسيادة وحفظ الأمن القومي وامتلاك المقومات التي تحميه.

ونذكر بأن قيادتنا السياسية الرشيدة وجيش مصر العظيم دعاة للسلام في منطقةٍ تعيش ظروفًا استثنائيةً، ندعو المولى عز وجل أن تزول غُمتها، ويعم السلم والسلام دول العالم بأسره.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة