فى البداية لا بد من توضيح أمر من المفترض أنه معلوم بالضرورة، ولكن نكرره للتذكرة، وهو أن مصير الأمة العربية واحد، ويجب على جميع الأشقاء التوحد ونبذ الفرقة والتشرذم، وإيجاد صياغة جديدة لتحديد العدو الحقيقى الواضح، وكيفية مواجهته، وإدراك حقيقة واضحة لا لبس فيها، أن ما يحدث فى غزة من إبادة جماعية ومحاولة مستميتة لتصفية القضية، والسيطرة على أراضى ومقدرات الشعب الفلسطينى بكل مكوناته، وعدم احترام الأماكن المقدسة، المسيحية قبل الإسلامية، نار مشتعلة تهدد بالتهام الجميع، ولا يضمن شعب من الشعوب العربية أنه فى مأمن من خطر أن تطوله هذه التهديدات، مهما سعى فى إيجاد علاقات قوامها المصالح، فالمخطط أكبر وأخطر ويَجُب المصالح والقيم الإنسانية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، أمس، أعلنها صراحة أن مصر حذرت مرارا وتكرارا، من مغبة السياسات الأحادية، كما تحذر الآن من أن التخاذل عن وقف الحرب فى غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية فى المنطقة، وأنه مهما كانت محاولات ضبط النفس فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها.
تحذيرات الرئيس نابعة من قدرات مصر على قراءة الخرائط وإدارة الملفات الساخنة واستشراف المستقبل وتوقع الخطر عن بُعد، تأسيسا على خبراتها المتجذرة فى أعماق التاريخ، منذ أول مواجهة بقيادة الملك أحمس الذى طارد الهكسوس فى دروب سيناء، فيما يطلق عليه سنوات التيه، ثم مرورا بمعركة التتار والحروب الصليبية، ثم معارك 48 و56 و67 و73، كلها مواجهات أثقلت خبرات مصر فى التعامل مع هذا العدو فى أوجهه العديدة منذ طرد الهكسوس وحتى تاريخه.
وكشفت الحرب المستعرة فى غزة عن قدرات مصر وتأثيرها ونفوذها القوى فى الإقليم وما تحظى به من احترام دوليا، وظهر ذلك جليا فى تدشين عشرات اللاءات فى وجوه كل زعماء الدول الكبرى، أمريكا وأوروبا بشكل خاص، وباقى العالم، بشكل عام، وبدأتها بلا لتصفية القضية الفلسطينية، ولا للتهجير القسرى، ولا لأى حل على حساب مصر والأردن، ولا لاحتلال غزة، ولا لوجود الناتو على الأراضى الفلسطينية، ولا بديل سوى حل الدولتين، وغيرها من اللاءات.
وفى الختام، نعيد تكرار ما بدأناه بأن الوحدة العربية ونبذ الفرقة والانقسامات، صار فقه الضرورة، ولم يعد هناك خيار آخر، مع ضرورة الابتعاد عن الشعارات والشعبوية التى أضرت مصالح الأمة وهزت أمنها القومى عشرات المرات، مع إدراك أن الوحدة وبشكل برجماتى فى أبهى حلته، هو البحث عن مصالحك وفى القلب منها أمنك واستقرارك، وتحديد العدو بوضوح والتعامل مع التهديدات على محمل الجدية، ولن يتحقق ذلك سوى بالوحدة والتكامل الاقتصادى والسياسى والعسكرى، وإحياء فكرة مصر عام 2015 بتأسيس قوة عسكرية عربية قادرة على حماية وصيانة الأمن القومى العربى، على غرار دور حلف الناتو الذى يحمى مصالح أمريكا وأوروبا، مع ضرورة تحديد العدو الحقيقى، تاريخيا وحاضرا ومستقبلا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة