لقد عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي بلسانٍ فصيحٍ مبينٍ عما يدور في صدور الشعوب الحرة في الأرض؛ بغض النظر عن انتماءاتهم وعقيدتهم؛ حيث ذكر في مقدمة حديثه (أن الممارسات اللاإنسانية تعود إلى العصور الوسطى)، وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ إلى أن ما يتعرض له أهل غزة العزل من قتلٍ وحصارٍ لا يتقبله الضمير العالمي الذي تشكل من قيم الحرية التي تنادي بها شعوب العالم، بل وحاربت من أجلها لتنالها؛ فهل يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يقف العالم الحر مكتوف الأيدي واللسان تجاه ما يحدث في فلسطين؟
ويبرهن الصمت الغربي على وجه الخصوص عن حالة الازدواجية المقيتة التي افقدت تلك الدول المصداقية والثقة فيما تنادي به من أباطيلٍ وادعاءاتٍ كاذبة حول احترام حقوق الإنسان والقوانيين الدولية، كما دحرت الميثاق الأخلاقي الذي يؤكد على حالة التعايش السلمي المنسدل من ماهية السلام العالمي، ونستطيع القول بأن موقف الحكومات يغاير شعوبها بهذه الدول وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يتسبب في إيجاد حالةٍ من الارتباك وضعف الاستقرار في شتى المجالات بهذه البلاد؛ نظرًا لتفشي حالةٍ من الصراع المعرفي التي ترجمتها المواقف المخزية لحكومات الدول الغربية وأمريكا على وجه الخصوص.
إن لغة الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تتغير أو تتبدل في سياقها ومدلولها؛ فقد شجب وأدان بوضوحٍ قتل الأبرياء وترويع جميع المدنيين من الجانبين وكافة الأعمال المنافية للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وأكد سيادته على رفض سياسات العقاب الجماعي لأهالي غزة، المتمثلة في التهجير القسري والحصار، وقتل الأبرياء العزل من أطفال ونساء وشيوخ، وأن هذا لا يبرر بحجة الدفاع عن النفس التي يتشدق بها الغرب وأنصاره.
وحدد الرئيس ست نقاطٍ إجرائيةٍ واضحةٍ المعالم قابلة للتنفيذ على الأرض بشكلٍ فوريٍ، بدأت ببث حالةٍ الأمن والأمان لأهل غزة العزل دون شرطٍ أو قيدٍ، وهذا ما تنادي به المواثيق الدولية، وتنشده الطبيعة الإنسانية، ويحض عليه أصحاب الضمائر في العالم بأسره؛ فلا يقبل إنسانٌ حرٌ ما يشاهده من أحداثٍ في قطاع غزة على وجه التحديد.
وما تقوم به إسرائيل من تهجير قسري للفلسطينيين إلى أمكان خارج أرضهم، يُعد ضرباً من ضروب القهر والإفساد في الأرض، وضد ما تنادي به الأعراف والديانات السماوية كافة؛ حيث إن الوطن حقٌ أصيلٌ لقاطنيه والدفاع عنه شرعته قوانين السماء، وسمحت به قوانين الأرض، ومن ثم فالعدوان والجور سيزول مهما طال، ولن تهدأ منطقةٌ قائمةٌ على فرض سياسة الأمر الواقع بالعدوان المباشر، ولا بديل عن سلامٍ عادلٍ شاملٍ لهذه القضية الوجودية بالنسبة للفلسطينيين والعرب على السواء.
وأكد الرئيس على ضرورة أن يضطلع المجتمع الدولي بمسئوليته لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني؛ فذات المجتمع ينادي بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إذا ما تم الاعتداء على شعبها أو مؤسساتها أو جنودها، وفي هذا تأكيد على العمل بمعيارٍ واحدٍ، وهو حق الإنسان في الحياة الآمنة مع تباين الأطراف، كما أن سائر القوانين التي يتمسك بها رافعي لواء الحرية تؤكد على سلامة الأبرياء العزل وتجنب انتهاك حقوقهم المشروعة.
ووجه الرئيس السيسي إلى ضرورة النفاذ الآمن والسريع، والمستدام، للمساعدات الإنسانية التي تعد من أبجديات الطبيعة الإنسانية، ومخالفة ذلك يعتبر جريمة حربٍ يتحمل مسئوليتَه المحتل، ومن ثم يجب أن يقوم المجتمع الدولي بدوره المنشود منه بكل قوةٍ ودون ترددٍ أو تخاذلٍ.
لقد ارْتَأَى الرئيس منذ اللحظة الأولى أن إنهاء الصراع والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يتمثل في تسويةٍ عادلةٍ تكمن في حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها "القدس الشرقية"، وهو ما اتفقت عليه الأمة العربية والإسلامية وأصحاب النظرة المعتدلة حول هذا الحل الأمثل.
ولم يترك السيد الرئيس أمر المحاسبية لما ارتكب من خروقات ومجازر ضد الإنسانية حيال الشعب الأعزل من قتل لأطفال ونساء وعجزة؛ حيث طلب بجرأةٍ منقطعة النظير إجراء تحقيقٍ دوليٍ في كل ما تم ارتكابه من انتهاكاتٍ ضد القانون الدولي، كي لا تضيع الحقوق ويصبح الثأر كامناً ما بقيت الحياة.
إن قيم العدل والحرية واحترام الحقوق لن تتأصل بعيدًا عن سلامٍ عادلٍ شاملٍ يسود الأرض؛ لتشرق شمس الأمن والأمان، ويصبح للإنسان الحق في إعمار أرضه دون خوفٍ؛ ليحيا حياةً كريمةً مليئةً بالأمل والطموح نحو مستقبلٍ مشرقٍ.
حفظ الله شبابنا ومؤسساتنا الوطنية وبلادنا العظيمة وقيادتنا السياسية الحكيمة أبدَ الدهر.