بيشوى رمزى

من العدالة الدولية إلى المحاسبة.. مصر تنتصر لغزة

الإثنين، 13 نوفمبر 2023 12:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم مرور أكثر من شهر، على القصف المتواصل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما تخلله من انتهاكات بشعة، عبر استهداف المدنيين والمستشفيات ودور العبادة، مما أدى إلى استشهاد آلاف البشر، معظمهم من النساء والأطفال، تبدو السلطات الإسرائيلية مازالت رافضة للاستجابة إلى صوت العقل، في ظل حالة "انتقامية" تبدو مهيمنة على السلوك الذي تنتهجه، بالإضافة إلى مساعيها لاستغلال الزخم الناجم عن التصعيد المتواتر، في القطاع المحاصر، لتحقيق أهداف ليست معلنة، وأبرزها تصفية القضية وإن كانت تجلت بين ثنايا الدعوات التي أطلقتها منذ بداية العدوان الوحشي، وعلى رأسها الدعوة لتهجير السكان من مناطقهم، وهو ما يعد بمثابة جريمة دولية جديدة تضاف إلى سجل الجرائم التي ارتكبتها الدولة العبرية، والتي تقع تحت بنود جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
 
ولعل المتابع للأحداث في غزة، منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان، يرصد أن ثمة اختلافات جوهرية، انتابت المواقف الدولية، حيث كان الدعم الغربي واضحة في البداية لدولة الاحتلال، تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، بينما تراجعت النبرة بعد ذلك، عبر الدعوات التي أطلقتها قوى غربية بارزة، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة لتحقيق قدر من "التهدئة"، وهو الاختلاف الذي يعد نتيجة مباشرة للجهود الكبيرة التي بذلتها الدبلوماسية المصرية، سواء في إطار جمعي عبر قمة "القاهرة للسلام"، أو فردي، خلال اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع قادة الغرب، في الأسابيع الماضية، بينما تحولت الدعوات بعد ذلك إلى ضغوط، عبر تعهد العديد من الدول حول العالم بإرسال المساعدات للقطاع، وهو ما يتنافر مع رغبة إسرائيل في إحكام الحصار على السكان، لإجبارهم على الرحيل.
 
الصعود التدريجي في الضغوط الدولية التي يواجهها الاحتلال الإسرائيلي، تزامن معها ارتفاع ملحوظ في "سقف الطموح" الإقليمي، في منطقة الشرق الأوسط، بقيادة مصرية، حيث نجحت القاهرة أولا في تغيير بوصلة الغرب من الدعم المطلق وغير المحدود للاحتلال، نحو الدعوة إلى التهدئة، وإقناعهم بحشد المساعدات لصالح سكان القطاع، في إطار إنساني، بينما مارست ضغوطها على حلفاء الدولة العبرية عبر اشتراط التوقف عن قصف المستشفيات، لعبور مزدوجي الجنسية، بينما وضعت على عاتقها مؤخرا طموحات أكبر، تتجلي بوضوح في التغيير الملموس في طبيعة الخطاب المصري، إذا ما قورن بالأيام الأولى من العدوان، والذي بات يتمحور حول تحقيق العدالة، ليرصد التقاعس الدولي الكبير في التعامل مع الأزمة.
 
فلو نظرنا إلى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية الإسلامية في الرياض، نجد أن ثمة تحول من الدعوة إلى التهدئة إلى "وقف فورى ومستدام" لإطلاق النار في قطاع غزة، بينما شدد على ضرورة تعزيز حل الدولتين، والذي يمثل أساس الشرعية الدولية، في حين كانت مطالبته الصريحة بإجراء تحقيق دولي في الانتهاكات المرتكبة في غزة، أحد أهم المحاور، في ظل الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبها الاحتلال في غزة لأكثر من شهر، تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، بحسب قواعد القانون الدولي العام، والتي يقع مرتكبوها تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية، بحسب ميثاق روما الأساسي، والتي ترفض إسرائيل الانضمام إليها، خوفا مما قد يطال مسؤوليها من إدانات.
 
المحاور التي دارت حولها كلمة الرئيس السيسي في القمة الأخيرة، تعكس في جوهرها 3 أوجه للعدالة، أولها إنساني، عبر حماية سكان غزة من القصف المتواتر الذي لا يرحم شيوخا أو نساء أو أطفال، بينما يبقى المسار الثاني سياسي عبر تحقيق الحل العادل للقضية، والذي توافق عليه العالم منذ عقود من الزمن، بينما عززته القاهرة مرارا وتكرارا، خاصة في قمة "القاهرة للسلام"، في حين يتجسد المسار الثالث في تفعيل مبدأ "المحاسبة"، عبر الدعوة لإجراء تحقيق دولي، لمحاسبة من تورطوا في سفك دماء آلاف البشر دون اقتراف ذنب أو ارتكاب إثم.
 
إلا أن المحاور الثلاثة، تعكس في السياق نفسه، ارتفاع جديد في "سقف الطموح" المصري، ومن وراءه الإقليمي، في التعامل مع الاحتلال، وانتهاكاته، مع العمل على ممارسة المزيد من الضغوط على القوى المنحازة لهم، عبر وضعهم أمام المسؤولية الدولية أمام العالم، من جانب وكذلك المسؤولية الأخلاقية أمام شعوبهم من جانب آخر، خاصة وأن تقاعسهم عن التدخل لإنقاذ البشر الذين يلاحقهم القصف دون رحمة، يتنافر مع المبادئ التي طالما دعوا إليها لسنوات، حول احترام حقوق الإنسان، والتي كانت تستخدم في جوهرها لإجبار الدول الأخرى على الدوران في فلكهم، في إطار من التسييس المقيت.
 
وهنا يمكننا القول بأن مواصلة إسرائيل لنهجها، وتجاهلها الكامل للدعوات الدولية لتحقيق التهدئة، يساهم بصورة كبيرة في زيادة وتيرة الضغوط الإقليمية، على العالم، لاتخاذ خطوات أوسع، لإجبارها على التراجع، في إطار حالة من ارتفاع "سقف الطموح" الإقليمي لمجابهة تلك الاعتداءات، التي لم تنم عن شيء سوى الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة، وغير المعلنة، بينما تعكس في الوقت نفسه حالة من الثبات في المواقف التي تتبناها منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم الإسلامي بأسره، مما يعضد الموقف الدولي للقضية بأسرها في مواجهة العالم.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة