العدوان الإسرائيلى على غزة قد يكون هذه المرة هو الأعنف، لكنه تكرار لمواجهات سابقة، بذل فيها الجيش الاحتلال كل جهده لإيقاع أكبر قدر من الخسائر، ومع هذا فقد كانت آخر عملية عدوان واسعة فى مايو 2021، والتى انتهت بتدمير واسع، ما كاد يتم تعمير غزة حتى عاد العدوان بشكله الأكثر عنفا هذه المرة.
بنيامين نتنياهو ظهر فى عالم السياسة منذ بدايات التسعينيات، وتولى رئاسة الوزراء منذ عام 1996، ومثل وما زال التيار الأكثر تطرفا فى إسرائيل، شغل رئاسة الحكومة لست مرات منها 12 عاما متتالية، وهو الرقم القياسى الذى لم يبلغه أى رئيس وزراء آخر، وبالرغم من أنه وعد بتحقيق الأمن للإسرائيليين، فقد شهد وجوده دائما تصعيدا بلغ ذروته فى هذه المرة، بجانب كونه يواجه اتهامات جنائية، وكانت عملية طوفان الأقصى ولا تزال أكبر اختراق أمنى واستخباراتى لحكومته وأيضا لأنظمة الدفاع.
وبالرغم من محاولة إظهار قدرته على المواجهة، لم يحقق نتنياهو شيئا أكثر من إيقاع أكبر عدد من المدنيين، من دون أن يمكنه تقديم أى تقدم نوعى فى المواجهة، أو تحقيق الأمن، بجانب أنه ووزراء حكومته خرجوا عن سياقات التصريحات إلى ظهور تهديدات باستخدام السلاح النووى ضد غزة، مثلما أعلن وزير التراث، ثم تكرار تصريحات تطالب بتهجير أهالى غزة، وهو ما يواجه رفضا واضحا من مصر ومن الدول العربية، وبحسم.
فيما يتعلق بحجم الخسائر والمقاومة الذى يواجهه جيش الاحتلال فى التوغل البرى، فإنه لا توجد نتائج أو تقارير واضحة عن حجم ما تحقق من كل طرف، الواضح أن جيش الاحتلال يرتكب جرائم حرب ضد المدنيين فى غزة، تصل إلى المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث اللاجئين الأونروا، أو غيرها، مع مزاعم بأن المقاومة تضع مراكز القيادة فى أنفاق تحت المستشفيات، وهى تقارير تدخل ضمن الدعاية التى يبرر بها الاحتلال قصف المستشفيات، خاصة أن أغلب مستشفيات غزة تخرج عن الخدمة لغياب الإمكانيات ونقص الوقود، ومن دون تقديم أى أدلة على أن المستشفيات تستخدم لأغراض عسكرية أو تحوى تحتها أى أنفاق أو مراكز قيادة.
الشاهد أن قوات الاحتلال لم تنجح فى تهجير الفلسطينيين، أو تبرير استمرار واتساع العدوان بهذا الشكل، وبالرغم من مرور ما يقرب من 6 أسابيع على بدء العدوان واستمراره، لم يحقق نتائج، وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، لم ينفذ تعهده بالقضاء على المقاومة، سواء حماس أو غيرها، خاصة أنه طلب عدة أشهر، وهو أمر لم يتحقق فى كل المواجهات على مدى عقود، ثم إن المواجهة تكون أصعب مع تراجع عن الاجتياح البرى الشامل والاكتفاء ببعض التوغل.
ومع استمرار العدوان وتجاوز كل الخطوط والقوانين والأعراف الدولية، واتساع التظاهرات العالمية ضد استمرار العدوان وظهور تعاطف وتضامن عالمى، أعاد القضية الفلسطينية فى الواجهة بشكل لم يحدث منذ الانتفاضتين الأولى والثانية، ويمثل هذا الحراك العالمى الرافض للعدوان، والمضاد للرواية الإسرائيلية إعادة تقديم للقضية الفلسطينية والحديث عن حل الدولتين، وهو ما قد يستدعى اتخاذ طريق للم الشمل بين الفلسطينيين، واستعادة الوحدة التى تساهم فى استمرار طرح القضية والدفع نحو مسارات تنفيذ الاتفاقات المتعطلة.
بالطبع فإن الاحتلال يسعى لشق الصف، وتغذية الانقسامات وهو ما انتبهت له مصر على مدى عقود، وسعت للمصالحة وإعادة التحام الضفة وغزة، لتلافى التأثيرات السلبية للاحتراب والصراع، عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وهناك فرصة للمصالحة والاتجاه إلى مسار يفرض نفسه، للمصالحة، التى يمكن أن تسهم فى إعادة القضية لوهجها الذى فقدته لأسباب مختلفة.
بذلت الدولة المصرية جهودا للمصالحة، حيث تم عقد نحو 20 اجتماعا منذ 2017 برعاية الأجهزة المصرية، دفعت كلها نحو توحيد الصف الفلسطينى، آخرها فى مدينة العلمين الجديدة خلال يوليو الماضى، تم عقد مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، وبمشاركة الفصائل الفاعلة فى المشهد الفلسطينى، لبحث سبل إنهاء الانقسام، ومواجهة التحديات التى تواجه القضية الفلسطينية، والاتفاق على رؤية وطنية وسياسية موحدة فى مواجهة الاحتلال.
وفى كل مناسبة ولقاء يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أهمية وحدة الفلسطينيين بمواجهة التحديات، ومحورية القضية لمصر والإقليم، وأنها مفتاح الاستقرار فى الإقليم، مصر تؤكد رفضها تصفية القضية، أو ترحيلها ومخططات التلاعب بها، وهناك زخم وبالرغم من صعوبة المشهد، فإن آفاق الحل تأتى من استغلال سخونة الموقف، حيث تأتى لحظة تتوقف فيها النار، ويجب السير نحو الدولة، وهو مسار صعب، لكنه ممكن فى حال ذهب الفلسطينيون معا.