يعرف صلاح الدين الأيوبى بأنه واحد من أعظم القادة المسلمين على مر العصور فهو محرر القدس وهازم الصليبين، فضلا عن مآثر أخرى له فى الحرب والسلم لكن كيف كانت نشأته؟
يقول محمد فريد فى كتاب صلاح الدين الأيوبى وعصره: يحيط جو من الإبهام حول نشأة يوسف بن أيوب ونسبه؛ وذلك شأن كل رجل ينبغ من صفوف العامة فيبلغ أقصى ذُرى العظمة، وقد حاول بعض مَنْ كتبوا عنه أن ينسبوه إلى أسرة عريقة وعِرق شريف، ولا يسع الإنسان إلا أن يبتسم عندما يرى أمثال هؤلاء المتحمسين من الكُتَّاب يوصلون نسبه إلى معد بن عدنان بل إلى آدم — عليه السلام.
على أنه لا يغض من قدره أننا لا نستطيع أن نتعدَّى فى نسبته الجد الأول؛ فهو يوسف بن أيوب بن شادي، وليس بعد شادي من الأسماء ما نقدر على التثبُّت منه.
كان أبوه وأهله من قرية "دوين" في شرق أذربيجان، وهم من بطن "الروادية" من قبيلة "الهذانية"، وهي قبيلة كبيرة من قبائل الأكراد. ويظهر أن جدَّه شادي نزح بولديه أيوب «نجم الدين» وشيركوه «أسد الدين» إلى بغداد، ثم نزل بتكريت حيث مات شادي، وقد نشأ الأَخوان بعد ذلك والتحقا في خدمة متولي الشحنة بالعراق «مجاهد الدين بهروز» الذي كان متوليًا من قِبَل السلطان مسعود بن غياث الدين محمد بن ملك شاه السلجوقي ثم انتقل نجم الدين أيوب إلى خدمة عماد الدين زنكي صاحب الموصل أول أبطال دول الأسلال الجديدة، وصار حافظ قلعة بعلبك أو «دزدارها»، فلما قُتِلَ زنكي انتقل نجم الدين إلى خدمة صاحب دمشق، والتحق أسد الدين أخوه بخدمة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وهو إذ ذاك صاحب حلب؛ ورثها حظه من دولة أبيه بعد موته، وكان له أخ ورث نصيبه الموصل وما يليها وهو سيف الدين غازي بن زنكي، وفي أثناء تلك الحوادث وُلِدَ لنجم الدين وَلَدٌ سماه يوسف، ولعل ولادته كانت في ليلة خروج أبيه من تكريت إلى خدمة عماد الدين زنكي، وذلك حوالي 1138 للميلاد أو 532 هجريه، وقد نشأ في كنف أبيه بدمشق، وظل أبوه هناك إلى أن أوغل نور الدين بفتوحه إلى الجنوب واستولى على دمشق فانضم إلى خدمته، وكان إذ ذاك يوسف قد ترعرع وصار فتًى في السادسة عشرة من عمره، فدخل في خدمة نور الدين مع أبيه وعمه، وكانت مخايل النجابة ظاهرة عليه، فكان نور الدين يؤثره ويقربه، ويلوح أن الفتى كان حادَّ الذكاء له عقل ناقد، فأدرك ما في طبع سيده من كرم وعلو وشهامة، وجعل يأخذ نفسه بما أعجبه من صفاته.
ويستكمل محمد فريد أبو حديد فى كتابه: على أننا لا ننكر أننا لسنا نقدر أن نعرف عن شباب صلاح الدين شيئًا كثيرًا، ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان أحد صغار الملحَقين بالجيش، فلم يكن دونه مجال للعمل والظهور إلى جانب الكبار من قواد الجيش وشجعانه، وكان جيش نور الدين في هذا الوقت يحوي جماعة كبيرة من المبرزين الشجعان، وليس يذكر لنا صلاح الدين شيئًا عن شبابه إلا أنه كان يترحَّم عليه ويحنُّ إليه، وذلك أمر طبيعي لكل كبير السن إذا نظر إلى الشيب وعجزه.
وأما غير ذلك فلا نسمع السلطان فيما بعدُ يذكر عن أعماله شيئًا فى وقت صغره، ويمكن أن نعزو هذا إلى حسن بصره وتواضعه؛ فأكبر الظن أنه يأبى أن يذكر لنفسه شيئًا في وقت كان فيه صغيرًا بين كبار يُجلُّهم ويعرف لهم فضلهم، وأول ما يذكره التاريخ عن شباب يوسف بن أيوب وقت اشتراكه في الحملة على مصر مع عمه أسد الدين شيركوه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة