تعكس زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين للقاهرة وما تطرقت خلاله من مباحثات خلال لقائها مع الرئيس عبد الفتاح السيسى مدى ثراء العلاقات بين الاتحاد الأوروبى ومصر وتشعبها فى مجالات عدة.
وتــأتى الزيارة فى ذروة الحرب الدائرة فى قطاع غزة والتى تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلى منذ شهر ونصف الشهر، قتلت خلالها ما يزيد على 12 ألف شهيد وآلاف من الجرحى والمصابين، وسط مخاوف مشتركة ورفض حاسم لمحاولات اسرائيل تفريغ قطاع غزة من سكانه.
وتطرقت مباحثات "فون دير لاين" إلى مستجدات التصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينى، وسط تأكيدات مصرية على عدة مفاهيم راسخة تتمثل فى ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار وحماية المدنيين ورفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية بتهجير سكان القطاع سواء النزوح داخليا أو بالتهجير خارج أراضيهم، وهو ما اتفق عليه الجانبان المصرى والأوروبى بأنه مرفوض ولن يحقق معادلة السلام المنشود.
زيارة رئيسة المفوضية والتى تتضمن جولة إلى شماء سيناء ومعبر رفح، لم تخلو من الإشادة بدور مصر الرئيسى فى تذليل العقبات امام دخول المساعدات الانسانية لأهالى القطاع فضلاً عن الجهد الدبلوماسى المكثف لرفع المعاناة عن القطاع وسكانه.
وشكلت الحرب فى غزة اتحاداً فى الرؤى بشكل كبير بين مصر والاتحاد الأوروبى حيث تعمل الدبلوماسية المصرية على حشد موقف دولى لمواجهة التصعيد الإسرائيلى فى غزة، فيما يحاول الاتحاد تسريع جهوده وحل الانقسامات الداخلية لتعزيز العلاقات الأوروبية مع الجهات الإقليمية الفاعلة وبمقدمتها مصر.
ويمكن رصد تغير واضح فى خطاب الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن خلال الأسابيع القليلة الماضية، استجابة لضغوط شعبية داخلية، وخشية أن يفقد الاتحاد الأوروبى دوره كوسيط مهم للصراعات فى المنطقة.
وتجمع الاتحاد الأوروبى ومصر علاقات هامة فى مجالات عدة كان لها أثراً بالغ فى أن يجد الطرفان مساحة مشتركة فى رؤية حلول أزمة غزة وسبل خفض التصعيد، حيث يأتى ملف الطاقة كأحد أهم ملفات التعاون بين القاهرة وبروكسل، حيث يأتى دور مصر بارزاً وبالتحديد فى منتدى غاز شرق المتوسط الذى تعول عليه الدول الأوروبية لتعويض نقص الطاقة التى كان يتم الحصول عليها من روسيا قبل الحرب الأوكرانية.
وكان لمصر دور هام بالفعل فى تعويض أوروبا بجزء من احتياجاتها من الغاز عبر محطتى اسالة إدكو ودمياط، اذ استخدمت هاتين المحطتين بشكل رئيس لإعادة معالجة الغاز الوارد عبر الانابيب من حقل تمار ليتم شحنه فى سفن الشحن بعد اسالته وتوجيهه إلى أوروبا.
وبخلاف الاقتصاد، ترتبط مصر والاتحاد الأوروبى بعلاقات تعاون مكثفة على الصعيد الأمنى ومكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث تلعب مصر دوراً هاما لحفظ الأمن والاستقرار الأقليمى فى المنطقة، فضلاً عن مكافحة الفكر المتطرف، وحرص مصر على دعم دول المنطقة فى مجال مكافحة الإرهاب عبر الدورات التدريبية لبناء قدرات الأجهزة الأمنية فى الدول الصديقة.
ويرى الاتحاد الأوربى مصر شريكاً هاما فى الملف الأمنى ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو الملف الذى يأتى حالياً فى صداره اهتمامات الجانبين لما يلمساه من محاولات اسرائيلية مستمرة لتفريغ قطاع غزة من سكانه من خلال العمليات العسكرية الوحشية المستمرة ضد المدنيين العزل.