جوهرةٌ ثمينة ترتاح على كتفِ الخريطة. إن نظرتَ من الجنوب ستراها ذراعًا مفتولةَ العضلات تتّصل بجسد الوطن، ومن الشمال تبدو وتدًا غليظًا يخترق الماء بين جناحى العقبة وخليج السويس. سيناء ليست مُجرّد مساحةٍ عريضة فى الجغرافيا، ولا حكاية ساخنة فى تاريخنا القديم والحديث؛ إنما هى جُملةٌ بليغة فى الذاكرة الجمعيّة، يتحصّل من تردادها شعورٌ عميق بالفخر والمَنعة والإيثار. قد لا تحضُر كثيرًا فى أحاديث المصريين على التعيين المُباشر؛ لكن لا يخلو حديثٌ من ذِكرها ضمنًا وتلميحًا. كلّما تدارس الطلابُ حكايات الامبراطورية المصرية فى عهودها السالفة، أو تجلّيها المُعاصر مع دولة محمد على وغزوات ابنه إبراهيم، وحتى إراقة الدم بارتضاءٍ وقُدسية على رمالها قبل خمسين سنة، وإراقة العَرَق وأنفاس العُمّال الحارّة وهم يجدُّون فى بنائها اليوم.. إن تحدّثنا عن الأمن والإرادة والاقتدار كانت سيناء، وعن التنمية والمُستقبل، والفرص الواعدة، والكنوز المخفيّة، والبكارة التى لم يجرحها التمدُّن الجائر ولا العشوائية الطاغية؛ لا شىء يخلو من سيناء؛ حتى لكأنّها اللغة بكاملها.
ستّون ألف كيلو متر، يُحوّطها الماء من أرجائها جميعًا؛ إلا ضلعًا قصيرًا جهة الشرق. تصلُب عودَها كماردٍ عملاق بين رأسه وقدميه 385 كيلومترًا، وعرض كتفيه 210 كيلومترات. على التشريح الظاهر هى كيانٌ طاغٍ فى هيمنته على الفضاء المحيط، وإقليمٌ بحجم دُوَل، وجزءٌ من الوطن لكنّه يُضارع الكُلّ؛ على ما قال الرئيس السيسى قبل شهورٍ إنها «تُساوى مساحة المعمور التاريخى فى الدلتا القديمة». ربما تأخّرت مصر طويلاً فى الالتفات إليها: تردَّدت عليها جيوش العرب والأيّوبيين والمماليك والعثمانيّين لكنهم جميعًا أهملوها، وانطلقت منها غزوات الباشا الألبانى ولم تسكب عليها نظرةَ اهتمام، واستخفَّت بها الملكيّة والجمهورية الوليدة بعد يوليو 1952؛ وربما بزغت أطماع الصهيونية فيها تحت جناح الإهمال. ما حدث أخيرًا أن القاهرة التفتت جهة الشرق، وبدا أن الإدارة السياسية تضع «سيناء» فى قلب الأجندة الاقتصادية للمرّة الأولى، ليس من زاوية تحريك الراكد للإيحاء بالعدالة النسبية مع بقيّة الأقاليم؛ ولكن لناحية أنها فُرصةٌ وطنية حقيقية، وجائزةٌ كُبرى لا غنى عنها لأيّة فلسفة وطنية للنهضة والتحديث.
لم تعدم أرض الفيروز رسائل الجدية والاهتمام. بدأ المسار بالإنجاز أوّلاً؛ ثم كان الكلام: تطهّرت من الإرهاب الذى توخّى اقتطاعها، وانتعشت الحركة فى أرجاء الجغرافيا التى كانت ساكنة، وفى ذلك أوّل الغيث ومُفتتح النجاح، وبعدها تمدّدت قوافل الأشغال الشاقّة على محاور الزراعة والعُمران والبنية التحتيّة والربط مُتنوّع الوسائل. قبل ثمانية شهور عاين الرئيس اصطفافًا للمعدّات المشاركة فى مشروعات تنميتها، وكانت إشارةً على أنها عمليةٌ مُمنهجة ومُتدرِّجة؛ وليست ضربةً طائشة أو ذهابًا طارئًا على جناح العودة السريعة. وتجدَّدت الإشارة فى زيارة رئيس الوزراء إلى شمالها أمس من أمس، الثلاثاء، رفقةَ وفدٍ عريضٍ كأنه قطاعٌ أفقى من البيئة المصرية: إعلاميين وفنانين وسياسيين واقتصاديّين وتنفيذيّين ومُمثّلين عن القبائل والعائلات. التغيُّر النوعى اليوم أن الاحتفاء بما تحقّق، والتبشير بما خُطِّط له ويُنفَّذ، وتثبيت القدم فوق كلِّ حبّة رملٍ؛ تأتى جميعًا فى سياق تحوّلات إقليمية شديدة السخونة، ونوايا سيئة لم تعد مخبوءةً فى كواليس أصحابها؛ بل خرجت إلى العَلن وبات التصدّى لها واجبًا، باللين والشدّة؛ ولا تخلو الجولة من الأمرين.
لم تخرج إسرائيل من أرض التين والزيتون إلّا تحت غطاء القوّة الجارحة، والسياسة التى دفعت بالديناميكية والحيلة ما تبقَّى من أطلال الاحتلال البغيض. المعنى أنها أذعنت اضطراريًّا؛ لكنها على ما يبدو لم تتخلَّص من أطماعها تمامًا، ولم تبرأ من عِلّة النهب وشراهة الاستيطان. ربما لا يكون ميسورًا لها أن تُعيد الكَرّة مع مصر؛ وقد صارت المُواجهة عصيّةً عمّا كان فى فوضى الستينيات، لكنّ مكنون الصدور تفضحه الحوادث العابرة. انقلبت الحال فى عموم فلسطين مع صبيحة السابع من أكتوبر، وبينما لم تُلملِم «تل أبيب» فضيحتَها السائحة فى غلاف غزّة، ولا كبرياء جيشها الذى صار «عجينة صلصال» بين أيدى فصائل المُقاومة المُسلّحة؛ تتابعت أصواتٌ شديدة النشاز تُهدّد الغزّيين وتُطالبهم بالرحيل إلى سيناء. قِيلت الرسالة من عسكريِّين على رأس الخدمة، ومن مسؤولين سابقين، ومُقرَّبين من النازى البغيض بنيامين نتنياهو، وكان الردُّ أسرعَ من النطق، وحسمت القيادة السياسية المصرية المسألةَ بأشدّ صور التعبير تصريحًا، وأذكاها تلميحًا.
تحايلت الحكومةُ الصهيونية على ما خطَّطت له بالإنكار أوّلاً؛ ثم بتعديل الصيغة من الفرار لسيناء إلى النزوح لجنوب القطاع، على أمل أن تكنسهم نيرانُ المحرقة المفتوحة عليهم عبر الحدود. وبدا أن الإدارة الأمريكية مُتحمّسةٌ للمشروع وتسعى إلى تسويقه. الصلابة كبحت اندفاعةَ قطار التهجير، وأجبرت البيت الأبيض على ضبط خطابه؛ حتى أن مُتحدِّثه نفى تمامًا أن يكون اتّصال الرئيسين السيسى وبايدن قبل أيام قد تناول المسألة على أيّة صورة، ثم جدَّد تأكيد الدفع باتجاه «حلّ الدولتين» باعتباره المسار الوحيد الضامن لإنجاز تسوية قادرة على الصمود. فكرةُ الطرد من عُمر النكبة، وتجدّدت إبان احتلال سيناء، وكانت بين أوراق «شارون» قبل أن يُقرّر «فك الارتباط» مع القطاع بالعام 2005، والعودة المفضوحة مؤخّرًا كانت حلقةً فى مسلسلٍ طويل وممجوج.. بعدما انكشف المستور وأعلنت مصر ردَّها بشراسةٍ مُضمرةٍ وظاهرة؛ عادت «تل أبيب» نفسها خطوات عديدة للخلف فى سيناريو الإزاحة البشرية؛ لكن ما كانت تُخفيه تفجَّر وخرج إلى العلن؛ إذ أوردت «فايننشيال تايمز» أن نتنياهو طلب وساطةَ الأُوروبيين للضغط على مصر، ونشر موقعٌ عبرى تفاصيل وثيقة أعدّتها وزارة الاستخبارات ورفعتها للحكومة، تتضمَّن ثلاثة اقتراحات منها نقل الغزِّيين إلى مدينة خيامٍ فى سيناء، ثم تدبير التمويل اللازم لبناء مساكن دائمة وتأمين ممرّ إنسانى. المُلفت أن الورقة مُؤرَّخة بالثالث عشر من أكتوبر؛ أى بعد عملية «طوفان الأقصى» بأقل من أسبوع، ما يعنى أنها سقطت عمليًّا تحت قدم الإدارة المصرية ومواقفها الحاسمة طوال الفترة الماضية، ولم تعد تساوى الحبر الذى كُتِبت به؛ لكنه يعنى أيضًا أن الأحاديث المُثارة لم تكن من فراغ، وأن العقل المُؤسَّسى فى دولة الاحتلال يذهب إلى أفكارٍ عدائيّة شديدة الفجاجة، ما يُوجِب التحوّط الدائم وافتراضَ سوء النيّة؛ لا سيّما تحت سُلطة أسوأ حكوماته اليمينية، وقد جمعت التطرُّف القومى بالتوراتى، بالنازيّة والولوغ فى الدم.
عرض رئيس الوزراء فى الجولة تفاصيل مُهمّة. رُكن المسألة أن الديموغرافيا حصن الجغرافيا المنيع، والتنمية سلاحها الناعم، ومفتاح خلخلة التكتُّل البشرى فى الدلتا؛ لصالح ملء سيناء بالمصريين. أنفقت الدولة نحو 600 مليار جنيه خلال عشر سنوات، وتُمهِّد الأرض لمرحلةٍ ثانية بثُلثى القيمة السابقة. تشمل الرؤية تجمُّعات عُمرانية، وأحوازًا صناعية وزراعية، ومناطق لوجستية. لا ينفصل ذلك عن الربط الواسع بشبكة الأنفاق والكبارى المُتحرّكة، ولا عن رؤية المنطقة الاستراتيجية للقناة بما فيها من ممرَّات وموانئ ومطارات، وتطوير ميناء العريش واتّصاله بخط قطار إلى العقبة.. عندما طُرِح مشروع الممرّ الهندى إلى أوروبا عبر الخليج وإسرائيل؛ تصوّر البعض أنه مُحاولة لإحلال بدائل عن قناة السويس. الأرجح أن المُقترح الهادف إلى تقويض مشروع «الحزام والطريق» الصينى قد تعطّل، وليس مُتوقَّعًا أن تشطب الدولة الصهيونية على إجرامها بحقّ الفلسطينيين سريعًا؛ لتُعاود العمل مع العرب كأنّ شيئًا لم يحدث. سيناء قد تحضر بديلاً عن حيفا، ولديها البنية التحتيّة المُؤهّلة، وقد تكتسب وضعًا أفضل فى الرؤية الصينية، ويتنامى تعاونها مع السعودية، ومع الأردن وصولاً للعراق ضمن محور الشام الجديد، وفى كلّ الأحوال فقد أرست ركائز صالحة للنهوض، بشراكاتٍ نوعية مع مُستثمرين وحكومات، كما فى المناطق الاستثمارية الخاصة، أو بجهدٍ فردى خالص كما فى الطرق والعُمران ومناطق الاستصلاح الزراعى.
لا تغيب الدلالة المُهمّة فى زيارة مقرّ «الكتيبة 101»، وقد سطَّرت ملحمةً وطنية لا يذوب ذكرها على ألسنةِ المصريين مهما أعادوها وزادوا فى التكرار. وكانت رسائل قائد الجيش الثانى الميدانى بليغةً من دون إفراط، وحتى رئيس الوزراء بشَّر بالتنمية بكل تفاؤلٍ واتّزان؛ لكنه أرفقها بإبداء الجاهزية الكاملة لبذل الأرواح دفاعًا عن سيناء.. مثلما كان حفل الأكاديمية العسكرية قبل أسبوعين مشهدَ ردعٍ هادئًا ورصينًا، وكان اصطفاف تفتيش الحرب للفرقة الرابعة الأسبوع الماضى تجديدًا للرسائل القديمة فى مظاريف جديدة، حتى لو كان مُبرمجًا ضمن الأجندة الاستباقية لاحتفالات اليوبيل الذهبى للنصر؛ فإن جولة شمال سيناء بكلّ ما فيها من زخمٍ سياسى وإعلامى، ورسائل أمنية وتنموية، تستهدف الجبهة الداخلية أوّلاً، ليطمئنّ المصريون على امتلاك الرؤية والمُبادأة والحلول، وعلى استقرار سيناء وسلامتها، وإحباط المُخطّطات التى تعصف بالقضية الفلسطينية، بقدر ما تحمل من مضار للدولة المصرية؛ إلّا أنها إلى جانب كل ذلك تُكثّف حالةَ الردع تحت مظلّةٍ وطنية جامعة، وتُرسل إشاراتها للمُتربّصين على الموجات النفسية والدعائيّة والعمليّاتية أيضًا؛ كأنها تلويحةُ القوّة فى وجهها الناعم، أو إطلالة السياسة بملامح خشنةٍ.. سرديّة «الوطن البديل» لا يُمكن أن تقوم مقام الحق الأصيل للفلسطينيين فى أرضهم، وقال السيسى بوضوح فى قمّة القاهرة للسلام؛ إنه لا تصفية للقضية دون حلٍّ عادلٍ؛ وفى كل الأحوال لن يكون على حساب مصر.
إسرائيل التى تسرّبت إلى أرض فلسطين التاريخية عبر «الكيبوتس» وحظائر الماشية والبشر، ثمّ توسّعت فأسَّست عصاباتٍ مُسلّحة، وحوّلتها جيشًا مُنظّمًا، وطاردت المدنيّين فذبحتهم أو طردتهم، وصارت دولةً على نصف المساحة، ثم ابتلعت ما تبقّى، وتغوّلت على الجيران فى دول الطوق؛ إلى أن غادرت بعض المناطق بالحرب أو التفاوض، ولا تزال تعضّ جزءًا من لبنان وأجزاء فى سوريا. لا يُمكن الاقتناع بأن تصوّرها النهائى ينحصر فى تُبيّض «غزّة» من سكّانها طمعًا فى الأمن، وهى التى تعيش أصلاً على الفوضى وإثارة الرعب والقلاقل. الصهيونية المكشوفة تدقّ المسمارَ لتُعلّق عليه حبلَها، ثم تشدّ الحبل لتنتقل بكامل الجسد إلى بيئةٍ جديدة. هكذا ربما تتصوّر أن إزاحة الغزّيين إلى سيناء، وبالضرورة سيتبعها نشاط المُقاومة من حاضنتها الجديدة؛ ستكون طريقها إلى دخول أرض الفيروز مُجدّدًا بدعوى مُلاحقة الفصائل، والسيناريو نفسه عندما تتفرّغ للجبهة الثانية؛ فتُزيح أهل الضفّة الغربية إلى شرقىّ نهر الأردن، وتقضم ما تبقّى من 6 آلاف كيلو متر خرَّمتها المُستوطنات حتى صارت غربالاً يُسقط المُلّاك ويستبقى اللصوص. العرب جميعًا فطنوا إلى الخطّة، وقادت مصر الجبهة الساخنة لإحباطها، وتلتها عمّان، ولم يعد خافيًا على حكومة الحاخامات والنازيين أن الفكرة ساقطةٌ من أصلها، وإثارتها قد تكون سببًا كافيًا لتنشيط جبهات لن تُحبّ أبدًا أن تصطدم بها جميعًا.
أنجزت المرحلةُ الأولى من مشروعات سيناء فُروضَها، وأطلق رئيس الوزراء المرحلة الثانية من قلب العريش، ثم وثّق مبدئية الموقف المصرى على بوّابة رفح.. قبل سنوات قليلة لم يكن بمقدور عوام المصريين أن يسيروا فى شوارع الشمال؛ وقد نشط الإرهاب المحمول على ألوانٍ وأجندات شتّى، وتورّطت فيه بعض الفصائل الفلسطينية نفسها. أتمّت مصر مهمّة التطهير، وأعادت الحياة إلى طبيعتها الآمنة، ونشّطت آلة التنمية بعد عُطلِها الطويل، والأهم أنها سامحت الحركات التى أجرمت بحقّها، وترفّعت عن العداء والمُخاصمة، واليوم تقف فى طليعة الداعمين، وتلعب الدور الأهم والأكثر حيويّة فى إسناد القضية، وترفيع لهجة الإدانة السياسية والأخلاقية لدولة الاحتلال؛ حتى صارت موجةً صاخبةً فى الإقليم والعالم. قوّة سيناء وحيويّتها من صالح الفلسطينيين وقضيّتهم؛ لأن صلابة الجدار الوطنى هنا ستتكسَّر عليها الأجندة السوداء هناك، وستتكسّر مُحاولات اختراق الجبهتين، وأطماعُ الترحيل والتصفية، كما أن انتعاشة أرض الفيروز توفّر امتدادًا إنسانيًّا وتنمويًّا تستفيد منه «غزّة» بالضرورة، إن عبر التجارة أو المُساعدات أو حركة العابرين من رفح سفرًا وإيابًا.. إن كانت الحاجة إلى استثمار الفُرص والمزايا الكامنة فى أرض الفيروز مُلحّةً فى إطار الرؤية الوطنية الخالصة؛ فإنها قد صارت اليوم أكثر إلحاحًا فى إطار الالتزامات القومية، والعبء الواقع على عاتق القاهرة فى أن تكون محورَ الارتكاز فى الرافعةِ العروبية الرافضة لابتلاع ما تبقّى من فلسطين، أو شَطب مَن تبقّوا من الفلسطينيين.
أنفق المصريون دمًا فى كلّ شبرٍ من سيناء، وينفقون ملياراتٍ من مواردهم المحدودة فى تنميتها؛ التزاما تجاه الأرض وتضحيات الشهداء أوّلاً، وتجاه المصلحة الوطنية الواجبة، وتيقُّظًا وجاهزيّةً لنوايا الأصدقاء قبل الأعداء. لن تجد مصريًّا واحدًا لا يقف اليوم وراء «غزّة» وأهلها، ولن تجد مصريًّا واحدًا يقبل أن يكون هذا الوقوف على أرضنا لا على أرض فلسطين.. الفلسطينيّون أيضًا يتمسّكون بحقّهم التاريخى فى بلدهم وترابه، ولا يرون مكانًا أكرم ولا أعزّ عليهم؛ لكن الموقف الشعبى العام فى مصر مقطوعٌ عن التوازنات الخارجية؛ الإيجابى منها والسلبى. إنهم لا يقبلون حديث التهجير والإزاحة إلى سيناء ولو كان المسجد الأقصى نفسه. ذهب رئيس الوزراء إلى هناك ليُجدِّد الرسالة بالقول والفعل، وقد أكّدها الرئيس مرارًا على مدى الأسابيع الماضية. السلام الذى يرسم حدودَنا مع إسرائيل رُكنه الندّية والوضوح، والاحترام المُتبادَل، وشَطب الأطماع القديمة، ومقتله أن يمضى النازيّون الصهاينة إلى جنونهم الذى ما عاد صالحًا للحياة؛ بعدما تبدّلت توازنات المنطقة. والرسالة بالغةُ الحدّة والخشونة: إذا كُنّا تكبّدنا كل ما تكبّدناه فى أكتوبر 1973 وكانت أرضًا قاحلةً، وذهبنا إلى نزاعٍ طويل لاستعادة كيلومتر واحدٍ فى طابا، فكيف تكون احتمالات الردّ وقد صارت جوهرتنا اللامعة، وتبوّأت موقعها فى تاج الرؤية التنموية والتحديثية الجديدة؟ أتصوّر أنهم باتوا يستوعبون ذلك فى «تل أبيب»، وسيزداد التحسُّب وتدقيق المواقف والكلمات كلّما مضينا إلى التنمية من دون توقُّفٍ أو انقطاع.. نضع السياسة على الطاولة، والعُمران سلاحنا الأول؛ لكننا جاهزون للبدائل وقادرون عليها؛ وقد اختبروا المصريين سابقًا، وجرّبوا الإهانة بكلّ صورها فى دروب سيناء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة