نشهد منذ قرابة الشهرين أحداثًا تلاحقها أحداث بين أهل غزة والعدو الصهيونى والتى تعد كارثة منافية لجميع الأعراف والقيم الإنسانية، والتى شغلت الرأى العام العالمى ما بين مؤيد ومبارك لانتهاكات إسرائيل كالحكومات الغربية، تحديداً بأمريكا وأوروبا، ومعارض ومندد كالشعوب والحكومات العربية ومعظم الدول والشعوب الأخرى بجميع أنحاء العالم، وما زالت الكارثة مستمرة إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا.
ولكن:
هناك أحداث جسام أخرى بدول أخرى لا تقل دموية عن تلك التى تحدث فى فلسطين، لم يذكرها أو يهتم بها أحد، على رأسها المجازر الكارثية التى تحدث بالسودان بين الطرفين المتنازعين على السلطة،
إذ تتساقط الجثث بالشوارع وتزهق الأرواح البريئة وتتشرد العائلات وتتهدم المنازل، دون أن تلتفت نشرات الأخبار فى العالم لهذه المجزرة الإنسانية التى ترتكب بحق المدنيين.
فلم يكن العدو هنا هو المحتل المجرم كما يحدث بغزة، لكنه من الأهل والعشيرة بنفس العرق ونفس الأرض.
وما يحدث بالسودان يحدث بعدد من دول أفريقيا تحديداً دول الغرب الأفريقى والتى كان أحدثها الجابون، ومن قبلها مباشرة النيجر، ذلك بعد بوركينا فاسو، وغينيا، ومالى وتشاد. وهى كلها مستعمرات فرنسية سابقة.
أما بالمنطقة العربية، التى لم تلتقط أنفاسها بعد، فالصراعات مستمرة فى ليبيا والعراق وسوريا ولبنان بشكل غير منقطع، لا توجد له بالأفق بادرة انتهاء.
وما زالت المخططات الغربية تعمل بنجاح ساحق بعدد كبير من دول قارتنا ومنطقتنا العربية والأفريقية، لنتأكد جميعاً أنها خطة طويلة الأمد، لا تكف عن التلاعب بمقدراتنا وضرب استقرارنا وقوتنا بأيدينا نحن.
أعتقد أن ما عانيناه كمنطقة عربية بالعقد الماضى تحديداً منذ قيام ما يسمى بثورات الربيع العربى، فالمنظمة ضمن خطة كبيرة تحرك خيوطها أطراف كثيرة وترمى بآخرين من المأجورين إلى جانب المنتفعين وخدام الشياطين ليظهروا بالصورة التى تخفى بخلفيتها ما كان أخطر وأعظم.
ما يؤكد لنا أنها دائرة كبيرة تتوسطها إسرائيل والجماعات المتطرفة التى تم الدفع بها لدرء الشبهات عن طفلة الدولة العظمى المدللة المنوط بها تشتيت الشمل العربى، ثم جاءت المرحلة التالية من الخطة بتصدير الذقون والجلابيب والوجوه المنفرة باسم الدين لاستكمال نفس المسيرة بداخل نفس الدائرة.
نعم:
ففى هذا التوقيت الحرج من عمر أمة العرب وفى أوج تدهورها وضربها بالإرهاب الأسود الذى تم تصديره وتمويله وتوطينه بأراضيها بفعل فاعل، أظن أنه قد كشف عن وجهه ونزع عنه الحجاب بتبجح وكِبر وتحد غير مسبوق، فضلاً عن انهيار أحد أهم وأكبر دول المنطقة العربية وتفككها إلى دويلات متناحرة دينياً ومذهبياً مستغرقة حتى الآذان فى عمليات القتال والتكفير وإراقة دماء بعضهم البعض، لتخلو الساحة أمام الصهاينة بدعم غير متوقف مادياً ومعنوياً من الولايات المتحدة الصهيونية لإتمام إحدى خطط بنى صهيون طويلة المدى فى غفلة من الأمة العربية التى كان من المفترض أن تفوق قوتها كل الأمم!
فهل ننتهز الفرصة لربما نستطيع الاتحاد الحقيقى بين دول المنطقة، من استقر على حاله واحتفظ بتماسكه وقوته ومن فقدها ثم استعادها ومن فقدها وما زال يعانى الخراب والانهيار.
فنحن كدول عربية إن تمكنا حقاً من التوحد والتلاحم ككتلة واحدة مترامية الأطراف متشاركة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لها اتحاد فاعل يتحدث بلسان واحد وتوجه واحد ولهجة شديدة ناتجة عن قوة هذا الاتحاد الذى أحلم وأتمنى أن يكون أشد قوة وأكثر تماسكاً من التحاد أوروبى.
آنذاك سنصبح قوة يتحسب لها جبابرة الأرض وأباطرة العالم، وستتحول تلك الشوكة التى باتت من الضعف الداخلى قابلة للكسر والاستكانة أمام قوتنا التى لم ولن تفوقها قوة حال إن تعلمنا الدرس واتحدنا بحق.