بالرغم من حجم عنف وإجرام قوات الاحتلال على غزة، فقد فشلت حكومة بنيامين نتنياهو فى تحقيق أهداف معلنة على رأسها تهجير الفلسطينيين، أو القضاء على المقاومة مثلما أعلن وزير الدفاع يوآف جالانت، الذى طلب وقتا لعدة شهور، بينما ظل الاجتياح البرى نفسه مترددا بين استمرار التدمير ومواجهة مقاومة وخسائر اعترفت بها قوات الاحتلال، وهى مواجهة صعبة بجانب أن كل إطالة فى عملية التغلغل والقصف تمثل خسائر اقتصادية، وتعطيلا للكثير من المرافق والشركات والجامعات.
وبشكل عام، فإنه من الصعب تحديد حجم الخسائر فى كل طرف، وتظهر النتائج النهائية بعد توقف العدوان، لكن بالرغم من فرق الكم والكيف فى التسلح والإمكانيات، فإن العدوان لم يحقق ما أعلنه نتنياهو أو وزير الدفاع، بينما تعرض لضربات وخسائر تظهر فى رد الفعل العنيف وعدد الضحايا من الأطفال والنساء المدنيين فى غزة، وحتى مع الدعم الأمريكى وتعطيل القانون الدولى، وتمرير جرائم حرب فإن حجم التعاطف الدولى مع القضية الفلسطينية والتظاهر والحملات التى تجتاح العالم تمثل عناصر ضغط لصالح إحياء القضية الفلسطينية وجعلها فى الواجهة.
وبعد التوصل إلى هدنة بجهود مصرية واتصالات مع الولايات المتحدة وقطر، وتواصل مع الفلسطينيين والاحتلال، فإن كل طرف يعلن أنه حقق مطالبه من الصفقة، بما يشير إلى نجاح الجهات التى نسقت الأمر من دون أن يعنى تقييما فعليا لما حققه كل طرف، لكن الظاهر أن الهدنة تتم باتفاق وتقبُّل، ونجاح الأطراف التى تدخلت وصنعت هذه الهدنة، التى تكون مقدمة لهدنة أخرى أو نهائية تنهى العدوان الذى يدخل أسبوعه الثامن، ويتحدد مستقبل الوضع فى غزة بناء على معطيات ومدى استعداد كل طرف، وحجم ما يرى أنه تحقق أو عدم القدرة على تحقيق نتائج إضافية.
وفيما يتعلق بمصير نتنياهو، السياسى، فقد يكون بالفعل فى طريقه للانتهاء، وهو أحد أكثر رؤساء الوزاراء بقاء فى موقعه، ومثل - وما زال - التيار الأكثر تطرفا فى إسرائيل، شغل رئاسة الحكومة 6 مرات منها 12 عاما متتالية، وهو ليس فردا، لكنه يمثل تيارا متطرفا ليس قليلا، لكنه واجه أكبر عملية اختراق فى عملية 7 أكتوبر، التى كشفت عن فشل هذا التيار فى تحقيق الأمن والاستقرار.
عندما بدأ رد فعل غاضبا انتقاميا لم يحقق نتنياهو شيئا أكثر من قتل أكبر عدد من المدنيين، من دون أى مؤشرات على تحقيق نصر كبير أو حتى جزئى، وفى المقابل فإن حجم الدمار فى غزة يشير الى أن المواجهة العسكرية فى النهاية لا تحقق الأمن لإسرائيل وتضاعف من معاناة المدنيين فى غزة، بجانب أنه ووزراء حكومته خرجوا عن سياقات التصريحات إلى ظهور تهديدات باستخدام السلاح النووى، أو تهجيرهم لدول العالم، بل إن ضراوة العدوان على غزة، تكشف عن خوف مضاعف أكثر مما تشير الى قوة، حيث يتواصل القصف لأكثر من 8 أسابيع، من دون تحقيق الأمن أو وقف المقاومة، وحتى داخل إسرائيل هناك مخاوف وغضب على الحكومة، يجعل من الصعب استمرار العدوان أطول من الفترة التى استغرقها وصولا إلى الهدنة.
وبقدر ما تعمل مصر على وقف العدوان، وإدخال المساعدات، فهى أيضا تدعم توحيد الفلسطينيين، ودفعهم إلى المصالحة، واستعادة وحدة الصف والفصائل، حتى يمكن الذهاب إلى المستقبل معا، مع تجدد الحديث عن مسارات السلام وحل الدولتين، وتأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى اعتمدت مبدأ حماية القضية وحق الفلسطينيين فى تأسيس دولتهم، ورفض التصفية أو التهجير ومحورية القضية لمصر والإقليم، وأنها مفتاح الاستقرار، وبالرغم من صعوبة المشهد، فإن آفاق الحل تأتى من استغلال سخونة الموقف، وتظل إمكانية فرض الحل، واردة، فى حال توحد الفلسطينيون، استنادا لموقف داعم، وضع القضية فى الواجهة.