فى البداية لا بد من التأكيد على أن مصر - ومنذ فجر التاريخ - تنشد وتجنح إلى السلم، وتُعلى من شأن فضيلة الأمن والاستقرار، الداخلى والإقليمى، وصفحات التاريخ شاهدة على أن مصر أول من وقعت معاهدة سلام مكتوبة فى التاريخ، وتحديدا عام 1258 قبل الميلاد، فى عهد الملك رمسيس الثانى، مع ملك الحيثيين، وسميت بمعاهدة قادش.
تضمنت المعاهدة، أهمية إقامة علاقات جيدة بين الإمبراطورية المصرية ومملكة الحيثيين، والسعى إلى إحلال سلام قائم على احترام سيادة أراضى الدولتين، والتعهد بعدم مهاجمة طرف على الآخر، واحترام الرسل والمبعوثين لأهمية دورهم فى التواصل السياسى والدبلوماسى بين البلدين.
وكون أن هذه المعاهدة هى أقدم معاهدة سلام فى تاريخ البشرية، وُضِعت نسخة طبق الأصل منها فى مقر الأمم المتحدة، لتعد نبراسا وشاهدا على عدة أمور أبرزها، تاريخ وعراقة مصر، ورغم قوتها وبسالة جيشها، إلا أنها تؤمن بقيمة السلام، واحترام معاهداتها ومواثيقها.
حرص الدولة المصرية منذ فجر التاريخ على إعلاء شأن السلام مع الجميع، وفى القلب منهم، الجيران، لم ولن يؤثر على أمنها القومى المقدس، الذى تقبض عليه كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول الخميس، فى فعاليات احتفالية «تحيا مصر.. تحيا فلسطين» فى حضور الآلاف فى استاد القاهرة، ومتابعة الملايين أمام شاشات القنوات التليفزيونية، داخليا وخارجيا.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، وفى خطابه القوى والمعبر عن إرادة الأمة، والملىء بالرسائل الجوهرية، حيال ما يحدث من محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، قال نصا: «أؤكد لكم بعبارات واضحة، وكلمات صادقة، بأننا عاقدون العزم على المضى قدما، فى مواجهة هذه الأزمة، متمسكين بحقوق الشعب الفلسطينى التاريخية، وقابضين على أمننا القومى المقدس، نبذل من أجل ذلك الجهد والدم متحلين بقوة الحكمة، وحكمة القوة، نبحث عن الإنسانية المفقودة بين أطلال صراعات صفرية، تشعلها أصوات متطرفة، تناست أن اسم الله العدل، يجمع البشر من كل لون ودين وجنس، وأن السلام هو خيار الإنسانية، ولو ظن أعداؤها غير ذلك».
وبالمنطق نفسه، كان تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسى، من مخطط تهجير الفلسطينيين، واضحا وقويا، عندما قال محذرا: «أن تهجير الفلسطينيين بالنسبة لمصر خط أحمر ولن نسمح به».
الشاهد من هذه الأحداث المتسارعة فى غزة، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية دون رادع من ضمير وقيم إنسانية، وفى انتهاك صارخ للمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية، وأمام أعين العالم الذى يتابع هذه الجرائم الوحشية، والظلم المخيف صوتا وصورة وبكل الوسائل، إنما يمثل جبروت غير مقبول، فى ظل نار الغضب المشتعلة فى صدور المصريين بشكل خاص، والشعوب العربية والإسلامية وغير الإسلامية، بشكل عام، فإن الرهان على فرض سياسة الأمر الواقع لن تؤتى ثمارها، وأن التاريخ لا يسقط بالتقادم، والحاضر مختلف بأدواته العصرية الناقلة لأدق التفاصيل فى الحرب البربرية على غزة، ويتابعها العالم بأثره، ويتأثر بها، ويؤثر فيها، فلم يعد هناك مجالا لقلب الحقائق، وإبراز العضلات السياسية والدبلوماسية لكسب تعاطف زائف، فالقضية صارت عالمية وواضحة، وحددت من هو الظالم ومن هو المظلوم!
وبما أن التاريخ لا يسقط بالتقادم، وأن حكمة مصر وجنوحها نحو السلم، وقوة صبرها الاستراتيجى، فإن ذلك لا يثنيها عن الدفاع عن أمنها القومى، واعتباره «مقدسا، وخطا أحمر» لا يمكن الاقتراب منه، وأن شعار «الله أكبر» يسكن القلوب منذ غزوة بدر، ومرورا بحرب أكتوبر 1973 العظيمة، وجاهز للانطلاق من القلوب إلى الحناجر ليحطم سدودا وحدودا وموانع وسواتر، دفاعا عن الأرض والعرض.
مصر العظيمة، لا ترسم خطوطا حمراء فى المطلق، ولا تكرر استخدامها لتفريغ مضمونها، ولكن ترسمها وفق معطيات قوية، وحسابات وتقديرات موقف دقيقة، تهدف فقط لحماية أمنها القومى، بالدرجة الأولى، وأمن أمتها العربية!
ووفق هذا السرد الواضح الجلى، فإن عقيدة جيش مصر، وشعاره: «نحن لسنا دعاة حروب، ولكن إذا فُرض علينا القتال، فنحن أهله».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة