ربما من السابق لأوانه استقراء نتائج العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما إذا كانت عملية "السيوف الحديدية" -كما سماها جيش الاحتلال- قد حققت الأهداف الكبرى المعلنة بالقضاء على المقاومة وتهجير سكان غزة.
لكن القبول بالهدنة يؤشر إلى الفشل العسكري على الأرض، ولم تنتصر إسرائيل وتستقوى بالآلة العسكرية البربرية والوحشية إلا على قتل الآلاف من الأبرياء من الأطفال والنساء، وتدمير آلاف المنازل وعشرات المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، مع الخسائر الفادحة على الأرض لآلياتها العسكرية ولجنودها غير المدربين، وهو ما أثبت هشاشة جيش الاحتلال وزيف الأسطورة التي تهاوت يوم 7 أكتوبر كما تهاوت وتحطمت يوم 6 أكتوبر 73 تحت أقدام جنود مصر.
بعد أقل من أسبوع من العدوان الوحشي والهمجي انكشف الوجه القبيح للكيان الصهيوني أمام شعوب العالم التي خرجت في عواصم العالم تعبرعن رفضها واحتجاجاها وغضبها من القتل الأعمى للأبرياء والتدمير الممنهج لكل مناحي الحياة في غزة، وإطلاق قطعانها المسعورة من المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.
امتلأت شوارع العواصم الكبرى في واشنطن ولندن وبرلين وباريس، وهي عواصم الدول الثلاثة التي أعلنت تأييدها المطلق لإسرائيل في بداية العدوان، قبل أن تتصدع مواقف تلك الدول بعد أسبوع أو أقل من أسبوعين من العدوان الأحمق على غزة.
لم توافق إسرائيل وصقورها المتعطشون للدماء والتدمير والخراب إلا تحت ضغوط ملايين البشر في كل أنحاء العالم التي اخترق صوتها غرف الرؤساء في واشنطن ولندن وباريس وبرلين، فخافوا على تراجع شعبيتهم أمام شعوبهم التي اتهمتهم بالتواطؤ على المجازر الصهيونية.
انقلب السحر على الساحر واتسع الرتق على الراتق بعد أسبوع واحد، وما خططت له إسرائيل ومعها واشنطن وتابعيها منذ سنوات وحتى بداية العدوان على الشعب الفلسطيني بدأ في الانهيار أمام المقاومة الفلسطينية الباسلة وصمود الشعب الفلسطيني وأمام الضغوط الدبلوماسية والخسائر السياسية للكيان إقليميا ودوليا واستنزاف رصيدها السياسي في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وحتى داخل البيت الأبيض.
فقد خرج الرئيس الأميركي جو بايدن ليرحب بالهدنة ويشيد بالدور المصري في اقرارها وفي لجم الهمجية الصهيونية بالوساطة أحيانا وبالدبلوماسية الخشنة أحيانا آخرى ثم بالتحذير و"الخطوط الحمراء " للرئاسة المصرية
تصريحات بايدن تظهر التراجع الواضح عن الموقف المتشدد في البداية وعن الخوف على المصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة التي لم يشفع لها وجود أكبر حاملتين عسكريتيت لواشنطن في مياه البحرالمتوسط وقواعدها العسكرية في العراق وسوريا وهو ما حذرت منه تقارير استخباراتية أميركية
بايدن- الذي كان يمضي عطلة عيد الشكر في ولاية ماساتشوستس يوم الجمعة الماضي – اعتبر أن إفراج حماس عن رهائن «ليس سوى بداية»، مؤكداً وجود «فرص حقيقية» لتمديد هدنة الأيام الأربعة في غزة وأن وقف القتال يمثل فرصة حاسمة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. واعترف بأن "هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حماس صعب". وأنه" لا بد من بذل جهود إضافية سعياً إلى "استكمال حلّ الدولتين لأنه أهم من أي وقت مضى".
بايدن وهو يستعد لانتخابات رئاسية جديدة أن تأييده للعدوان الاسرائيلي عرض شعبيته وشعبية حزبه للخطر، فالمتظاهرون في كل أنحاء الولايات المتحدة، طالبوه بالضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار، حتى إن تظاهرة خرجت وعرقلت أكبر استعراض لعيد الشكر في البلاد، في نيويورك.. حتى أن عدد من المتظاهرين هتفوا أثناء حضوره حفل إضاءة شجرة عيد الميلاد "بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، نحن نتهمك بالإبادة"، وحملوا لافتة كتب عليها "فلسطين حرة".
وفي القاهرة.. وأمام الآلاف في استاد القاهرة الدولي يوم الخميس الماضي كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يعلن عن خط أحمر جديد ناحية الشرق ضد مخطط التهجير القسري للفلسطينين إلى مصر..
وإلى القاهرة تدفق زعماء ومسئولون أوروبيون ليعلنوا عن موقفهم الواضح من العدوان الهمجي، وانهالت الإشادات الدولية من كافة أنحاء العالم بدور مصر في الهدنة وقبلها في الاستماع إلى صوتها العاقل في وقف العدوان والجنوح إلى السلام والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
أمام معبر رفح المصري وعلى بعد كيلومترات قليلة من قادة الحرب في تل أبيب يعلن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، يوم الخميس الماضي أن "الهدنة الحالية في قطاع غزة ليست كافية، وهناك حاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار" ، وأن "بلاده قد تتخذ قراراها الخاص فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على ذلك".
وبجواره يصرح رئيس الوزراء البلجيكي، ألكنسدر دي كرو، إن "لإسرائيل الحق في التصرف ومنع الهجمات المستقبلية، لكن هذا لا يبرر أبدا حصار منطقة بأكملها، وحجب المساعدات الإنسانية.. هذا ليس عذرا لتجويع شعب".
الضمير العالمي استيقظ مؤخرا بعض الشيء وأدركت اسرائيل أنها هي المحاصرة وليس الشعب الفلسطيني المقاوم وهوما كشفت عنه مراكز الأبحاث ومراكز استطلاع الرأي الصهيونية التي تتبعت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم فقد أظهرت أن 95% يؤيدون فلسطين و5% يؤيدون إسرائيل منذ يوم 13 أكتوبر وحتى الآن. فالرأي العام في جميع أنحاء العالم الذي حاولت خداعه والكذب عليه قد تحول ضدها .
السيوف الحديدية لم تكن سوى سيوف خشبية وسوف ترضخ إسرائيل للضغوط وتقبل بهدن أخرى وسيعرف قادتها بأنهم كانوا يطاردون بأوهامهم سوى خيوط دخان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة