أكد الدستور المصري على حق الأجيال في الحياة؛ والذي يتضمن الاستمتاع بحياة كريمة وصحية مستدامة، وقد تجلى ذلك في تحقيق التنمية والنهضة الوطنية التي تضمن تعظيم الموارد البشرية والمادية على حد سواء؛ فيستطيع الجيل الحالي أن يحيا الحياة التي يتطلع إليها، وتضمن أجيال المستقبل نصيبها غير منقوص من تلك الموارد التي تلبي الاحتياجات الضرورية وصولًا لحد الرفاهية التي تنشده وتطمح الإنسانية في تحقيقه.
وهذا ما أقرته دساتير العالم سبقهم إليه دستور السماء؛ فقال عز وجل في كتابه العزيز (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الأسراء 70، ودلالة التكريم تؤكد على المساواة والعدل فلا يجور جيل على جيل؛ حيث إن الإنسان بكيانه المطلق هو المستهدف لإعمار الأرض، وهذا ما أقرته المنظومة العالمية بتنوع عقائدها وتباين فكرها وثقافاتها.
ويؤكد حق الأجيال في الحياة بشكل واضح على الاحترام المتواتر بين الأجيال المتعاقبة؛ لترك بيئة الأرض صالحة للعيش للأجيال المستقبلية؛ فلا يعقل أن نهتم برفاهية الأجيال الحالية على حساب من سيأتي بالمستقبل؛ فلا يجد الهواء الجيد والماء الوفير والمناخ الصالح والداعم للحياة الصحية بكل مكوناتها، ناهيك عن مصادر وموارد الحياة المادية بكل تنوعاتها.
وهناك العديد من العوامل التي تؤثر على حق الأجيال في الحياة منها العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولابد أن تتخذ الإجراءات اللازمة؛ للحفاظ على البيئة والحد من أخطار التلوث ووجود فرص متساوية للتعليم والتطوير الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، للحفاظ على حق وجودة الحياة للأجيال.
والمشاركة الانتخابية، هي أداة هامة لضمان هذا الحق فمن خلال المشاركة الانتخابية، يمكن للأفراد التأثير في صناعة القرارات السياسية واختيار الحكومات والممثلين الراعيين لمصالحهم؛ حيث يتاح للجميع فرص المشاركة الفعالة في العملية الانتخابية، سواء عن طريق التصويت أو الترشح للمناصب الحكومية مع وجود آليات لضمان استدامة هذا الحق وحماية استمراريته للأجيال المستقبلية من خلال الدساتير والقوانين؛ وهذا يؤكد أن حق الأجيال في الحياة والمشاركة الانتخابية هما أساسيان لضمان مستقبل عادل ومستدام للأجيال الحالية والمستقبلية.
وما حدث بالدولة المصرية من إنجازات توصف بالعظيمة جاء نتيجة للمشاركة الانتخابية التي اختار فيها الشعب من يقود المسيرة ويلبي طموحات المجتمع الذي تعرض لكثير من التحديات على مر عقود، ويعتبر هذا الأمر بدون شك حافظًا لحق الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء.
ومن هنا يمكننا القول بأن حق الأجيال مرهون بسياسة تتبناها الدولة بصورة واضحة تترجمها ممارسات ديمقراطية تؤكد على المشاركة في البناء والنهضة، والمسار الصحيح لهذا الأمر يصعب أن يتحقق بعيدًا عن المشاركة الانتخابية لكل فئات المجتمع الذي له حق التصويت وفق الاستحقاق الدستوري المعلن بالدولة.
وتعد المشاركة الانتخابية إطارًا راقيًا للإنسان صاحب الفكر المستنير والذهن الراقي والمنظومة القيمية التي تحض على الفضيلة بكل مكوناتها وإيجابياتها؛ فبواسطتها يعبر الفرد عن رأيه ليحدد اختياراته بشكل مشروع يعضد الفكر والرأي الجمعي الذي يضمن دحر التسلطية واستبعاد الديكتاتورية بكل صورها المقيتة؛ فتصبح الحياة يسيرة وبسيطة ومناخها إيجابي يساعد أبناء الوطن على العطاء ويحثهم على الرقي دومًا.
وتضمن المشاركة الانتخابية صيانة الحقوق فيما يجلب المصالح الجامعة ويدرأ المفاسد التي تقوم على المصالح الشخصية أو الفردية، ومن ثم لا تتعرض النفس البشرية للهلكة التي تكمن في التسلطية من قبل الحكام أو من يتولون إدارة شئون بلادهم؛ لذا عُنيت الديمقراطية بأمر مهم يتمثل في ضمانة الحقوق التي تترجمها الشعوب عبر الإدلاء بالرأي تجاه قضاياها، ومن ثم تتحمل مسئولية الاختيار، وتتضافر من أجل بقاء الأوطان وسلامة من يقطنها.
ولا نبالغ إذ نقول إن المشاركة الانتخابية تحقق ثورة على الفساد بكل أنماطه؛ حيث تُسهم في حسن الاختيار لمن يتولى أمر البلاد، وتكسب الفرد قوته وكرامته للبقاء، وتجعل المجتمع يستشعر أهمية المشاركة وتحمل المسئولية في كل الأمور، وتؤكد على أهمية النسق القيمي والخلقي المنتهج بالدولة، وتضمن صيانة الحقوق بكل مستوياتها.
وتتعدد ثمرات المشاركة الانتخابية؛ فتضمن الحق في الحياة وكرامة العيش، وتؤكد على الحرية الواعية المسئولية، وتعضد ماهية العدل والمساواة، وتؤصل لكل مقومات الحماية، وتجير الفرد من مخاطر التجني على خصوصيته، وتضمن حقوق المرأة على وجه الخصوص.
وجدير بالذكر أن الحرية المسئولة من خلال المشاركة الانتخابية النزيهة تحقق السلامة المجتمعية، وتترجم الكرامة والمساواة بشكل إجرائي، وتؤكد على حق تقرير المصير، وتعضد الأمن والأمان المجتمعي، وتحدد مسئوليات الأجهزة والمؤسسات دون جور أو تغول، وفق صلاحيات لا خلاف عليها.
إن شعب مصر العظيم يؤمن ويعشق الديمقراطية، ويهتم بالمشاركة البناءة بكل صورها في وطننا الحبيب، ولديه طموح لاستكمال النهضة والإنجازات بالدولة، ويسعى لتحقيق جودة الحياة بعيدًا عن شعارات ونداءات يحملها مروجي الشائعات من أصحاب الأجندات المغرضة.
وقد أضحى النظام الديمقراطي المصري متقدمًا في خطاه؛ فقد أثبتت التجارب نجاحات كبيرة في صورة المشاركة الانتخابية لمرات ومرات؛ حيث راهن المشككون في أنها ستفشل وسيشوبها العوار، ولن تحقق مبتغاها؛ لكن الوعي المجتمعي الرشيد والثقة في مؤسسات الدولة الوطنية، وحرص المجتمع الأصيل على تحقيق الاستقرار جعل المشاركة صورة مضيئة ومبهرة في نظامها وشمولها وحسن إخراجها.
وفي هذا السياق نؤكد على أن المشاركة الانتخابية هي الضامن الرئيس لتحقيق التمثيل العادل والمساواة في الحياة العامة وفي مقدمتها الحياة السياسية التي صارت منفتحة للجميع دون استثناء ودون شروط مجحفة؛ فقد سادت لغة الحوار بين الجميع وتجذرت واتضحت ثمارها من جلسات الحوار الوطني بالدولة المصرية العظمية تحت قيادتها الرشيدة التي أوجدت المناخ الداعم لذلك.
حفظ الله بلادنا وشعبها العظيم وقيادتنا السياسية الرشيدة.