لا شك أن معدل التنمية في المدن الجديدة يفوق أضعاف أضعاف ما يجرى داخل المحليات والمحافظات، ورغم أن تجربة المدن الجديدة أثبتت نجاحها بشكل كبير وغير متوقع إلا أن المحليات فشلت في أن تحذو حذوها وتنتهج منهجها أو حتى تبدأ في أعمال الإصلاح وتكوين بنية تحتية من مجالس محلية جديدة تكون قادرة على مواكبة التطور الكبير الذى تشهده مصر في مختلف المجالات، وتواكب رؤية القيادة السياسية، وذلك يرجع لعامل رئيسى هو المركزية التي تعمل بها تلك المجالس في ظل البيروقراطية الشديدة التي تتخذها منهجا لها.
والحديث هنا لن يطول على المجالس المحلية، بل سنركز عل ما تبذله أجهزة المدن الجديدة من جهود جعلتها الأكثر نموا في مصر في الوقت الحالي، بالمقارنة بجهات أخرى، وذلك يرجع لعدة عوامل، منها منح صلاحيات واسعة لرؤساء أجهزة المدن يجعلهم قادرين على اتخاذ القرار، وهو ما يساعد بشكل كبير في نهو الإجراءات المتعلقة بأى ملف وحل أي مشكلة قد تطرأ، كما أن سهولة التواصل بين الأجهزة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ووجود تخصصات وقطاعات ولكل قطاع نائب يرأسة شخص يتم اختياره بناء على كفاءاته وخبراته ولن تدخل أي معايير أخرى، جعل من ذلك تجربة حقيقة داخل مصر قد تكون المشاكل بها منعدمة أو لا تمثل 5 %، ومع ذلك يتم حل تلك الإشكاليات الصعبة في وقت قياسى.
ومع الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رؤساء أجهزة المدن الجديدة في الوقت الحالى، نجد أن تجربة تولى الشباب رئاسة أجهزة المدن كوسيلة لتجديد الدماء والاستفادة بطاقاتهم حولت منهم لأداة قوية ساهمت بشكل كبير في إحداث طفرة غير مسبوقة وتنمية حقيقية، وترجع تلك الفكرة للدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء الحالي، والذى كان يشغل وزيرا للإسكان، والذى كان مؤمن بتلك الفكرة، وحارب من أجل تنفيذها، والتي لاقت استحسان كبير من القيادة السياسية وخاصة بعد نجاحها، ورغم مرور وقت قصير، نجد أن أكثر من 60% من قيادات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وأجهزة المدن الجديدة، شباب لا يتخطى عمرهم الـ 40 عاما، وهذا يعد كسر لكافة العادات والتقاليد التي كانت متبعة في اختيار القيادات في العهود السابقة.
ولعلك عزيزى القارىء تعرف جيدا مدى المتابعة المستمرة من قبل وزارة الإسكان لكافة أجهزة المدن الجديدة من خلال جولات مستمرة، ولقاءات مكثفة لمتابعة نسب تنفيذ المشروعات وحل أي إشكالية قد تطرأ، وكان أخر تلك الاجتماعات لقاء الدكتور عاصم الجزار، بوزير الإسكان، برؤساء أجهزة المدن والذى شدد خلال اللقاء على ضرورة وضع خطط لتعظيم العوائد الثابتة، وتوفير موارد مالية ذاتية ومستدامة لكل مدينة، بما يضمن استدامة التنمية، والصرف من تلك العوائد على مشروعات الصيانة والتشغيل والإحلال والتجديد، وشدد على ضرورة أن يكون لكل مدينة لديها اتزان مالى بين الإيرادات والمصروفات، كما وجه الوزير رؤساء أجهزة المدن الجديدة، ببدء العمل لوضع موازنة مستقلة لكل مدينة، وإيجاد فرص استثمارية وتنموية جديدة ومتنوعة، وتنفيذ مشروعات تضمن توفير موارد مالية ذاتية ومستدامة، يتم الصرف منها على المشروعات التى تضمن استدامة واستمرارية تقديم الخدمات بأفضل صورة، والحفاظ على الحالة العمرانية للمدينة.
ولم يقتصر اللقاء على ذلك، بل شمل المناطق الصناعية، حيث شدد الوزير على ضرورة إعداد خطط لتطوير المناطق الصناعية بالمدن الجديدة، من خلال مكاتب استشارية، ووضع قواعد تخطيطية محددة، وأنماط قياسية لتطوير المناطق الصناعية، وذلك من خلال التعاون مع المستثمرين ومجالس الأمناء بمدنهم، وإشراكهم فى وضع تصور لتطوير المناطق الصناعية، والعمل على توفير مصادر متنوعة للدخل من خلال أفكار جديدة وغير تقليدية يتم تطبيقها بالمناطق الصناعية.
ويعد نجاح أجهزة المدن ورؤساء أجهزة المدن سببه الرئيسى هو التقييم المستمر للقيادات التي تجريه وزارة الإسكان، طوال تولى القيادات المسئولية، فهناك من يتم الإبقاء عليه، وهناك من يتم نقله لمدينه أخرى، وهناك من يتم استبعاده بشكل كامل، ويعد ذلك الأسلوب الأمثل للتغلب على أي معوقات قد تحدث تحول تلك الأجهزة لأجهزة عقيمة، وأكد الوزير خلال اللقاء الذى جمعه برؤساء أجهزة المدن أنه سيكون هناك تقييم للتحسن فى مستوى الأداء فى المرحلة المقبلة للمسئولين والعاملين بالمدن الجديدة، ومتابعة تنفيذ التكليفات والتوجيهات، ومحاسبة المقصرين، طبقاً لمؤشرات واضحة ومحددة لقياس الأداء فى ضوء إمكانات كل مدينة وحجم الفرص والتحديات التى تواجهها، ومن أهم مؤشرات التقييم، الخطط التى يضعها كل جهاز مدينة للاستثمار والتنمية، وتوفير مصادر التمويل الدائمة والثابتة، وتحقيق الاتزان المالي بين الإيرادات والمصروفات، ونسب تحصيل مستحقات المدينة، هذا هو سر نجاح أجهزة المدن الجديدة، وعدم تحولها لمحليات أخرى.