من بين الدمار، وحرب الإبادة، والقصف المتواصل الذى يشنه جيش الاحتلال، عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأصبحت هناك ضرورة لمواجهة ما بعد توقف النار فى غزة، وهو ما سيحدث لا محالة، مهما طال الوقت، خاصة أن هذه الأزمة هى الأطول ضمن جولات العدوان السابقة، وهى أيضا - كالعادة - لم تحقق نتائج سوى قتل المدنيين، حيث يقترب عدد الشهداء من 10 آلاف بين المدنيين، مع عشرات الآلاف من الجرحى، وبالتالى فإن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وحكومته المتطرفة، يصبح أكثر صعوبة، وسيأتى وقت لن يكون قادرا على الاستمرار، خاصة مع تضاعف الغضب ضده، سواء من المجتمع الإسرائيلى بشكل عام، وبصفة خاصة من أهالى المحتجزين الذين يتظاهرون، مطالبين رئيس الوزراء بحل، مع اتساع دوائر الخوف بين المستعمرين.
وحتى داخل الدول الداعمة للاحتلال وقتل المدنيين، أصبحت هذه الحكومات تواجه تظاهرات وغضبا واعتراضات تجاه قتل المدنيين، وحتى داخل الكونجرس ذاته، تزايدت الدعوات لوقف إطلاق النار فى غزة، ووقّع 18 نائبا فى مجلس النواب على مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، ورغم قلة عدد الموقعين إلا أن الأمر يكشف عن انقسام داخل المجتمع الأمريكى، وصل إلى أروقة الحزب الديموقراطى نفسه، وهو ما يظهر داخل بريطانيا التى يصر رئيس وزرائها ريشى سوناك، على استمرار دعم إسرائيل، فقد ارتفعت حدة المعارضة للحرب، وعلا صوت إدانة قتل المدنيين، سواء داخل حزب المحافظين «الحاكم»، أو حزب العمال «المعارض» الذى يواجه أزمة داخلية بسبب حرب غزة، حيث طالب أكثر من 100 نائب عمالى «حوالى نصف نواب الحزب فى مجلس العموم» بوقف العدوان الإسرائيلى على غزة، لكن رفض زعيم الحزب كير ستارمر، وهو ما أدى الى استقالة عدد من أعضاء مجالس البلديات، وبالتالى خسر حزب العمال أكثريته فى المجلس لصالح حزب المحافظين الحاكم.
أما فى الولايات المتحدة، فقد تصاعد الأمر بسبب عدم تحقيق نتنياهو لأى نتائج من العدوان غير قتل المدنيين، بالرغم من الدعم الكامل من إدارة بايدن للعدوان، ومع هذا فقد جرت تحولات فى الخطاب، وتراجع فى مخططات التهجير والبدائل، وحسمت مصر رفض التصفية، وأعلنت أن سيناء «خط أحمر»، وحذرت من اتساع الصراع، متمسكة بأمنها القومى، ودعت إلى قمة القاهرة التى مثلت خطوة مهمة عكسها حجم الاتصالات التى تلقاها الرئيس السيسى، أو الأطراف التى سعت للقائه، وحرص الرئيس على تأكيد موقف مصر الرافض لاستهداف المدنيين وسياسات العقاب الجماعى وتهجير الفلسطينيين، وضرورة تسوية القضية الفلسطينية بالحل العادل والشامل، الذى ينتهى بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وتمسك الرئيس عبدالفتاح السيسى بخطاب مصرى يجمع بين حسم الخطوط الحمراء للأمن القومى المصرى، وامتلاك الدولة قوة ردع شاملة، وحرص على تأكيد أن القوة الشاملة - كانت وستظل - للحماية والردع، وليست للتهديد والعدوان، بجانب رفض مصر لتصفية القضية الفلسطينية، وسعيها إلى تقديم السلام وضرورة حل أساس القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية.
وبالفعل حدث تغيير بالخطاب الأمريكى، بدرجة كبيرة، وعاد الحديث عن مسارات السلام والدولة الفلسطينية، داخل الإدارة الأمريكية، ووفقا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فإن وزير الخارجية الأمريكى أنطونى بلينكن، الذى يبدأ جولة فى المنطقة، سيتحدث عن التزام الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها لوضع الشروط من أجل سلام دائم ومستدام فى الشرق الأوسط، يشمل تأسيس دولة فلسطينية تعكس تطلعات الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية، وهو أمر لم يكن واردا فى خطاب الانتقام الذى أطلقه بلينكن بعد عملية 7 أكتوبر، بالطبع فإن بلينكن سوف يجدد الحديث عن دعم غير مشروط لإسرائيل، لكنه لن يستطيع تجاهل ما يمكن أن تواجهه المصالح الأمريكية من حلفاء إقليميين، فضلا عن خطر اتساع الصراع، على المصالح الأمريكية والغربية.
وكان البيان الذى صدر عن السفارة الأمريكية بالقاهرة، يؤكد احترام سيادة مصر، والتزام واشنطن بعدم تهجير الفلسطينيين، وجاء فى البيان الذى أصدرته القائمة بأعمال السفير الأمريكى إليزابيث جونز: «نحن ممتنون للقيادة المصرية لتسهيل العبور الآمن للمواطنين الأجانب من غزة، والولايات المتحدة تحترم بشكل كامل سيادة مصر واحتياجات أمنها القومى، والولايات المتحدة ملتزمة تماما بضمان عدم تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر، أو أى دولة أخرى».
وبالتالى فإن الموقف الأمريكى يأتى بعد حسم مصر - على مدار الأسابيع الماضية - لقضية تهجير الفلسطينيين أو سكان غزة، سواء إلى مصر أو إلى أى دولة أخرى، وأن الأمر لا يمكن أن يمر، مع إشارات واضحة من الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن سيناء خط أحمر، أمنيا واقتصاديا.
كل هذه التطورات تشير إلى أنه وسط هذا النيران فقد ظلت القضية الفلسطينية فى الواجهة، وعلى الفلسطينيين استغلال الفرصة، للتوحد واستعادة القدرة على العمل معا.