مع انشغالنا واهتمامنا ومتابعتنا لما يجرى فى غزة والمنطقة، والحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني، لم يحظ حدث صدور كتاب جديد فى لندن منذ أسبوعين تقريباً عن سيرة حياة البروفسير السير مجدى يعقوب جراح القلوب المصرى العالمى باهتمام ومتابعة من وسائل الاعلام فى مصر، ولم يتناوله أو يحتفى به أحد، رغم أن الكتاب صادر عن مطبوعات مكتبة الإسكندرية باللغة الإنجليزية فى لندن ونيويورك.
الكتاب يستعرض سيرة حياة وإنجازات الجراح الأشهر فى العالم فى عمليات نقل وزرع القلوب والرئتين، والذى وهب علمه فى السنوات الأخيرة لجراحة قلوب الأطفال فى مصر والعالم من خلال مؤسسة مجدى يعقوب فى أسوان والقاهرة.
وفى حفل ضخم لتوقيع الكتاب فى لندن حضر السفير المصرى لدى المملكة المتحدة وأسقف الكنيسة المصرية وعضو مجلس اللوردات الأنبا أنجليوس وعدد من أساتذة الطب ونائب رئيس البرلمان ومشاهير المجتمع البريطانى خاصة فى مجال الطب وجراحة القلوب. والحفل أقيم فى ضيافة مستشفى برومبتون الملكية فى لندن. وكان مدهشا أن يحضر الحفل بعض المرضى الذى أجرى لهم الدكتور مجدى يعقوب عمليات فى القلب أو عمليات نقل قلب ومنهم سيدة أجرى لها البروفيسور يعقوب عملية نقل قلب منذ حوالى 38 سنة ومازالت تتمتع بصحة جيدة والتى التقت به فى عام 76 مع مصور الصحيفة التى كانت تكتب فيها قبل اجراء العملية.
وهذا الشهر وتحديدا يوم 16 نوفمبر سوف نحتفل بمرور 88 عاما على ميلاد الدكتور مجدى يعقوب أحد أشهر جراحى القلب فى العالم- ان لم يكن الأشهر- والذى نجح فى كتابة اسمه فى كتب التاريخ العالمية بعد أن تم تصنيفه كأكثر أطباء العالم إنجازا فى عدد عمليات زرع القلب ويحمل على كتفيه طوال مشواره الطبى رحلة عطاء من العمل والكفاح والإنجاز والشهرة على مدار أكثر من نصف قرن...وهى سيرة ورحلة تستحق أن يعلمها ويتعلم منها شباب وعلماء وباحثون فى مصر والعالم.
فصدور الكتاب فى لندن ونيويورك هو اعترافا بقيمة الرجل الطبية والإنسانية فقد ساهم فى أعمال الخير وأنقذ حياة مئات الناس من الكبار والصغار ويجسد بالفعل نموذجا حقيقيا للإنسانية فى أبهى وأرقى صورها.
ولا ننسى أن الدكتور مجدى يعقوب حصل عام 2018 على لقب أسطورة الطب فى العالم ، من جمعية القلب الأميركية بشيكاغو، ضمن أكبر خمس شخصيات طبية أثرت فى تاريخ الطب ، فهو شخصية استثنائية وقيمة إنسانية
ولد مجدى يعقوب حبيب فى مركز بلبيس بالشرقية فى 16 نوفمبر عام 1935 ، لعائلة تنحدر أصولها الكاثوليكية من محافظة أسيوط ، وعشق مهنة الطب بسبب والده حبيب يعقوب جراح وزارة الصحة ، وله شارع يحمل اسمه بمنطقة العجوزة فى قلب القاهرة، وقد عمل فى مستشفيات أسوان وقنا ومعظم محافظات الجمهورية وكان وراء سبب عشق الابن مجدى لمهنة الطب.
أما اتجاهه للتخصص فى جراحة القلب والصدر جاء منذ أن فقدت الأسرة عمته الصغرى "أوجينى" التى توفيت عن 21 عاما بسبب إصابتها بضيق فى صمام القلب، وحزن الأب حبيب يعقوب على شقيقته التى اختطفها الموت فى سن مبكرة، وظلت هذه القصة تتردد فى عقل مجدى يعقوب الابن حتى قرر أن يصبح هدفه التخصص فى علاج القلب لإنقاذ حياة المرضى .
تخرج مجدى يعقوب من طب قصر العينى بجامعة القاهرة عام 1957 وكان ترتيبه الخامس على الدفعة، وعمل نائبا للجراحة بقصر العيني، ثم سافر الى انجلترا عام 1962 لاستكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه والتخصص فى جراحات القلب والصدر .
السيرة المهنية زاخرة وعامرة بالإنجازات التى تجعل من الدكتور مجدى يعقوب فخرا لمصر والعرب ورمزا إنسانيا نعتز به، فقد حصل الدكتور مجدى يعقوب على الزمالة الملكية من ثلاث جامعات، هى كلية الجراحين البريطانيين بلندن ، زمالة كلية الجراحين بأدنبرا بإسكتلندا، زمالة كلية الجراحين الملكية بجلاسجو، وتدرج فى العديد من المناصب الأكاديمية، وبدأ حياته العلمية باحثًا فى جامعة شيكاغو الأمريكية عام 1969، ثم رئيسًا لقسم جراحة القلب عام 1972، فأستاذا لجراحة القلب بمستشفى برومبتون فى لندن عام 1986.
أصبح الدكتور مجدى يعقوب رئيسا لمؤسسة زراعة القلب ببريطانيا عام 1987، وأستاذا لجراحة القلب والصدر بجامعة لندن، كما شغل منصب مدير البحوث والتعليم الطبى والمستشار الفخرى لكلية الملك إدوارد الطبية، بالإضافة إلى رئاسة مؤسسة زراعة القلب والرئتين البريطانية ، كما شغل منصب مدير البحوث والتعليم الطبى ومستشار فخرى لكلية الملك ادوارد الطبية فى لاهور بباكستان .
خلال مشوار عمله الطويل استطاعت اعماله أن تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية بإجرائه 100 عملية قلب فى عام واحد فقط، وكان سببا فى دخول رجل إنجليزى قام بعملية زرع قلب له عام1980 بسبب تلك الجراحة الموسوعة كأطول شخص يعيش بقلب منقول وذلك لمدة 33 عام حتى توفى. ومن بين المشاهير الذين أجرى لهم عمليات الكوميدى البريطانى إريك موركامب والفنان عمر الشريف
السيرة عامرة بالإنجازات والنياشين والأوسمة رفيعة المستوى من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية التى منحته لقب فارس فى عام 1966 ، بينما لقبته أميرة ويلز الراحلة، ديانا بـ"ملك القلوب" علاوة على عدة أوسمة من رؤساء وملوك حول العالم .
وأفردت له جريدة التايمز البريطانية فى عام 1978 صفحاتها الأولى لتقدم لقرائها يوما فى حياة مجدى يعقوب تحت عنوان " الجراح النابغة الذى يعزف يوميا لحن الأمل والحياة " وتعود الصحيفة العريقة فى عام 2001 وتنشر تحقيقا مصورا عن الرحلات المكوكية ليعقوب إلى مصر ودول إفريقيا لإجراء جراحات بالقلب بالمجان للأطفال.
واختاره رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير لإصلاح نظام التأمين الصحى فى المملكة المتحدة والذى يعتبر من الأنظمة الهامة والمحورية للشعب الإنجليزي، و حصل على لقب بروفسير فى جراحة القلب عام 1985 ، وقامت ملكة بريطانيا بمنحه لقب " سير " عام 1991 .
وفى يناير 2011 صدر قرار رئيس الجمهورية بمنحه قلادة النيل العظمى لجهوده الوافرة والمخلصة فى مجال جراحة القلب وقد تسلمها بنفسه فى احتفال كبير بمقر رئاسة الجمهورية فى 11يناير.
ورغم كل هذه الأوسمة والنياشين والتقدير والتكريم الا أن الدكتور مجدى يعقوب – كما قال فى احدى المناسبات- يرى أن الوسام المفضل لديه على الإطلاق هو رؤية المرضى يتحسنون فالأوسمة لا تعطى شيئا للعلم أو الانسان ويقول أن الذى يمنحنى السعادة الداخلية هو الوصول لاكتشاف جديد يؤثر على آلاف من الناس ويطبق على ملايين منهم ويمكن ذلك من خلال رؤية طفل تمكن من الحياة بصحة بعد أن كان معرضا للوفاة بسبب مرضه وهذا أكثر شيء يمنحنى السعادة.
الحديث عن الدكتور مجدى يعقوب يطول ولا يستحق كتاب واحد فقط...وفى هذه المناسبة يمكن دراسة إمكانية اصدار موسوعة كاملة تحمل اسم ملك القلوب لسيرته الشخصية والمهنية وانجازاته الطبية بل ويمكن أيضا تدريسها فى مناهج طلبة الطب وتوزيعها على المكتبات العامة والمكتبات الالكترونية لتقرأها الأجيال الجديدة لتتعرف على نموذج مصرى أصيل بحق يختزل فى سيرته معنى الإصرار والدأب وحب العلم ومنحه للآخرين ..ومعنى الإنسانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة