حازم حسين

ماضى نتنياهو يطارده فى غزّة.. صفقة 2011 والهروب من تكرار «مأزق السنوار»

الإثنين، 06 نوفمبر 2023 02:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهمُّ من الحرب وإدارتها، كيف يكون اليوم التالى. وبينما ينقضى شهر على عدوان غزّة؛ لا يبدو أن إسرائيل أو الفصائل تعلم كيف تمضى المعركة، ولا كيف تنتهى. الجولة من أوّلها: ثلثها على الأكثر بالسلاح، وثلثاها بالدعاية والمناورة؛ لكن «تل أبيب» خرقت العقد الضمنى بالمحرقة التى أشعلتها، وإن كان البطش نفسه واحدًا من أدوات العبث بالقلوب والضغط على الحاضنة الشعبية.. المهم أنهم عادوا مُؤخّرًا للقسمة الوازنة: السلاح بقدر، والسيكولوجيا بأقدار. نشرت المقاومة فيديو لثلاث نساء من الرهائن، وجَّهن رسالة شديدة القسوة لرئيس الحكومة، واتّهمنه بالفشل والانتهازية والترخُّص، وبأنه يُضحّى بالمدنيين من الجانبين لأطماعٍ شخصية. تقصَّدت الرسالة صناديق بريد الأعداء؛ لذا كان الحديث بالعبرية ولم يهتم مُعدّو الشريط بترجمته. نتنياهو علَّق بأنها «حرب نفسية قاسية»، ثم ردّت آلته العسكرية بإعلان تحرير مُجنّدة عبر عملية نوعية، فردّت «حماس» بالتعليل نفسه واعتبرتها مُحاولةً للتشويش على بُكائيّة الأسيرات. لا تبتعد من ذلك مُحاولات كبح الغول الصهيونى، ولا الوساطات مع المُقاتلين ورُعاتهم، وإلقاء أوراق السياسة والدبلوماسية على طاولة الإقليم. كلَّما تنفست الحروب النفسية؛ اختنقت حروب الذبح والدم؛ لذا فقد تكون جولات اللعب بالأعصاب طوق النجاة لكلّ الأطراف.
 
عملية الطوفان ضربت سيكولوجيا الإسرائيليين فى العُمق، والسيوف الحديدية أفقدت الغزِّيين شعور الأمان، ووضعتهم جميعًا على لائحة الموت المُؤجَّل. لنعتبر أن شوط المباراة الأول انتهى؛ وليس بالإمكان أن يُلعَب ما تبقَّى بالطريقة نفسها. استهلكت تل أبيب فاعليّة «سلاح الرعب» ولم تهزم النساء والأطفال، واستهلكت طاقة الرَّدع التى تولَّدت عن اندفاعة الغرب وزيارات قادته، وصارت عاريةً أمام جمهورها، قبل الأعداء والمُحايدين. المُقاومة لا تملك مجالاً عريضًا للمُناورة؛ بل إن حدود حركتها أضيق من خنادقها. ربّما الأوفق أن تُناطح العدوَّ فى ميدان الدعاية، لا فى العسكرة وندّية السلاح؛ إذ القوّة تُحقِّق له غرض التسويق تحت سقف التكافؤ وأكذوبة التصدِّى للإرهاب؛ بينما التسرُّب الناعم من شقوق المعنويّات المُهتزّة فى الشارع الإسرائيلى؛ يستعيد وهج المظلوميّة ويرفع ضغوطَ العوام على الساسة والجنرالات.. الأهميّة الراهنة أن الرأى العام آخذٌ فى التبدُّل، والشوارع يصَّاعد لهيبها، وعلى الخطّ مُنظَّمات دولية تُعيد تقييم مواقفها، ولن يطول الوقت قبل أن ينضبط خطاب واشنطن، ويتعقّل الشعبويّون المخابيل فى أوروبا. الظرف مُناسبٌ لخطوة إلى الوراء؛ ليس بمعنى التوقُّف عن المقاومة الخشنة وصدّ الاجتياح البرّى؛ إنما أن يترافق مع ذلك شغلٌ أكبر على المحور النفسى، بمُعالجات إعلاميّة ناضجة؛ خصوصًا أنهم أهملوا تلك الزاوية فى البداية، أو تركوها لهُواة الكاميرات ومُحترفى القتال؛ فخسروا فرصة الحشد والعاطفة، لصالح البروباجندا الصهيونية.
 
كان وصول «جوتيريش» إلى بوابة رفح دعمًا نفسيًّا مُهمًّا للفلسطينيين، وكذلك كلمته الجادة فى مجلس الأمن عن تأصيل جذور الأزمة، وتعليق أجراسها فى رقبة الاحتلال. وكانت قمّة القاهرة للسلام دفعًا بليغًا للسرديّة الزائفة وتقديمًا للنسخة الموضوعية العادلة. ثمّ تحرُّكات المجموعة العربية فى الأُمم المُتّحدة، ونجاحها فى تمرير قرار «الهُدنة والإغاثة وسلامة المدنيين»، وأخيرًا مؤتمر كريم خان مُدّعى المحكمة الجنائية الدولية من أمام المعبر، والحديث عن بحثهم منذ 2021 فى الجرائم الإسرائيلية. الدبلوماسية الناعمة والخشنة من تجلّيات المُلاعبة النفسية، وعودة البيت الأبيض عن بعض مواقفه البغيضة، وأهمّها حماسته لخطّة التهجير، ضغطٌ يفوق أثر الصواريخ الغزّية التى ما تزال تُحلِّق فى سماء إسرائيل دون فائدة. الاحتماء بالزاوية المُظلمة وارتداء عباءة الاستضعاف؛ ربما يكون أنفع اليوم من تطيير مخزون الذخيرة فى الهواء، ومعه فُرصٌ مجّانية لحكومة النازية الصهيونية أن تُبيّض وجهها أمام ناخبيها، أو تستمرئ تخليقة الحياة تحت نار التهديد، والجنون دفاعًا عن الوجود.
 
فى الحروب التقليدية، ستتلقّى نيران العدوّ كاملةً فى صدرك؛ أمَّا فى النسخة النفسية فقد ترتد بعضها إلى داخل بيته. سُئل «نتنياهو» فى مؤتمرٍ ثلاثى مع جالانت وجانتس عن سلوك الأجهزة الأمنية، وهل حذّرته أو أضاءت مصباحًا أحمر قبل عملية حماس؛ فارتبك وقدّم إجابةً مائعة عن تأجيل الحساب لصالح الاصطفاف. بعدها ذهب للبيت وعاودته اللوثة؛ فكتب تغريدةً ضد الجنرالات، وانقلبت الساحة وثار شركاؤه فى مجلس الحرب؛ فحذف واعتذر. بدا واضحًا أنه يتهرّب من المسؤولية، ويُدين الواقفين على الجبهة طمعًا فى الإفلات بالبراءة؛ وتجلّى وراء ذلك حجم الخلاف فى الكابينت، وبين اليمين القومى والتوراتى، بل داخل الليكود نفسه. عمليًّا يمضى اجتياح غزّة وإن بوتيرةٍ أبطأ؛ لكن فى الكواليس تتضخّم الخلافات حتى أن روائحها تزكم الأنوف فى «تل أبيب» وتعبرها للخارج.. العسكريون كانوا مع الجنون الكامل، والسياسيون مع الجنون نصف المُنفلت؛ أمّا واشنطن فقد عادت لتطلب شيئًا من التعقُّل، وربما تفرض رؤيتها قريبًا. الاستخلاص أن قادة إسرائيل وضعوا الانتقام قبل الرهائن، بينما يضع «بايدن» مواطنيه الأسرى قبل كرامة الصهيونية وعضّ الأصابع بين نتنياهو وحماس. صار الحديث عن صفقة مُبادلة مطروحًا بقوّة، وفى ذلك شىءٌ من الحرب النفسية أيضًا.
 
هل ينتخب نتنياهو قادةً للنضال الفلسطينى؛ بينما يُحاول تصفية كوادر المقاومة اليوم؟ كان من سوء حظّه أنه أبرم اتفاقًا مع «حماس» قبل اثنتى عشرة سنة. وقتها استقبل الجندى جلعاد شاليط مُتفاخرًا كأنه ضاعف مساحة إسرائيل، ومُقابل تحريره بعد خمس سنواتٍ فى الأَسر؛ أفرج عن ألفٍ وسبعة وعشرين أسيرًا فلسطينيًّا؛ كان منهم يحيى السنوار القائد الميدانى اليوم فى «غزّة»، والعقل المُدبّر لطوفان الأقصى وأوّل هدف على لائحة الاغتيالات، ومعه آخرون ممّن شاركوا فى الهجمة مثل «على قاضى». اضطراره لتكرار التجربة قد يُطلق قرابة ستة آلاف مسجون، بعضهم سيُضيفون ثقلاً مُهمًّا لجيش المقاومة، والبعض سيُنغّصون عليه المجال السياسى وقد يبرز منهم قائدٌ جديد يُعيد سيرة «عرفات»، مثل مروان البرغوثى وأحمد سعدات. الخيار قاسٍ كأنه يتجرّع السمّ؛ وتجاوزه أشدُّ قسوةً لأنه يُعبّر عن استهانةٍ بأرواح مواطنيه وسلامتهم. صارت ورقة الرهائن أكبر من فاتورة القتلى فى السابع من أكتوبر؛ وربما يتمنَّى اليوم لو أنهم قُتِلوا فى العملية بدلاً من أسرهم، أو سارع هو لتفعيل «بروتوكول هانيبال» والخلاص منهم فى غزّة؛ لا أن يكونوا خنجرًا فى خاصرته كما هى الحال الآن.
 
بدأ الحديث فى ملف الأسرى بأقل من مائة فردٍ؛ ثم أخذ العدد فى التزايد فصار 240 بحسب الجيش الإسرائيلى؛ وربما يكتشفون المزيد. المشكلة أن فيهم كثيرين من مُزدوجى الجنسية أو الأجانب الصافين، ولن يقبل الداعمون الغربيّون أن يبقى مُواطنوهم فى طوق النار أو يُنحَروا بالذخيرة الغربية. لقد حصلت إسرائيل على 38 مليار دولار من الولايات المتحدة آخر عشر سنوات، وأقرّ الكونجرس قبل أيام حزمةً جديدة بنحو 14 مليارًا؛ وإذا مات الأمريكيون القابعون فى أنفاق «غزّة» فكأنّ المُشرّعين صوَّتوا على إعدامهم وتكفَّل «بايدن» بالتنفيذ. إن كانت المقاومة عاجزةً عن الردع المادى، وكان سلاحها البسيط قاصرًا عن صدّ الآلة الجارحة؛ فإن ورقة الرهائن تظلّ برّاقةً وفاعلةً. ويُمكن من خلالها الوصول لهدنةٍ إنسانية عاجلة، أو تهدئةٍ مُمتدة، أو تبييض سجون الاحتلال؛ والأخيرة ستُصرَف فى رصيد الفصائل بطولةً مُطلقة ونصرًا ساحقًا، ما يُعزّز حاضنتها ويشطب أثر الدمار ونزيف الدم. هذا الاحتمال يهرب منه نتنياهو، وسيُقاومه بكلّ السبل ولآخر لحظة؛ لأنه سيكسر معنويّات جنوده ويُؤلِّب جنرالاته، وسينفخ قدرات الخصم. وفضلا ًعلى ذلك؛ فإنه يدعم السلاح فى مُواجهة السياسة، ما يعنى مزيدًا من انحسار مُنظّمة التحرير والسلطة، وبالتبعية سينغلق أُفق التسوية مع الإصرار على استبعاد «حماس» من الترتيبات المستقبلية تحت لافتة الإرهاب والداعشية. هكذا تبدو خيارات الكابينت محدودة: أن يتجاهلوا حياة الرهائن ويصطدموا بالحلفاء، أو يُقدّموها على اعتبارات الحرب ويخسروا الهيبة وهالة الردع، وإلى ذلك فإنهم يُمكِّنون الحمساويين من كامل الساحة الفلسطينية، وليس القطاع فقط.
 
هُزِم «نتنياهو» نفسيًّا قبل الرصاصة الأولى فى غلاف غزّة. لقد كان مشروعه مُنصبًّا على الاستثمار فى «حماس»، وقد تصوَّر أنها تخوض نزاعًا مع «عباس» على السلطة؛ فدعم تمكينها من الحكم وتوسَّط لها مع بعض الرُّعاة والمُموّلين، وكان يُمرِّر حقائب الدولارات شهريًّا من مطاراته. كان مقاتلو القسام يُصوّبون على الجنود فيُصاب رئيس الحكومة، وهو الذى قال كثيرًا إنهم ذخر استراتيجى لإسرائيل.. ما حدث أنه دعم الحركة وقتما كانت تُمثّل تهديدًا عابرًا للحدود ومصروفًا لصالح أجندة الإخوان، ويُريد الخلاص منها اليوم بينما صار بقاؤها مصلحةً مُباشرة لأطرافٍ عدّة؛ حتى الذين عادتهم وتضرَّروا من مُمارساتها. مصر والأردن معنيّان مُباشرةً بإبقاء الفلسطينيين فى أرضهم؛ وكثيرون من اللبنانيين يدعمون القضية فى بيئتها ويصطدمون بها لو خرجت إليهم؛ ولديهم ذاكرةٌ دامية من حصار بيروت إلى أحداث «عين الحلوة» الأخيرة، ولا يختلف الأمر فى سوريا. المقاومة خندقٌ مُتقدّم للدول المُعتدلة، ولمحور الميليشيات الشيعية أيضًا؛ خصوصًا «حزب الله» وقد بات واثقًا أنه المحطّة التالية بعدما تسكت البنادق فى غزّة. لم يعد السؤال عن فُرصة الصدام على الجبهة الشمالية، بل عن موعده ونطاقه. يكفى هذا المنسوب من القلق لأن يترقّب «نصر الله» واضعًا إصبعه على الزناد، وأن يعتبر سقوط «حماس» إعلانًا للحرب عليه. قد لا يُبادر إلى الاشتباك؛ لكنه على الأقل يُكثّف استعداده بكل طاقته، وكان «نتنياهو» أيضًا شريك الترتيبات الحرجة التى يبدو أنها بدأت التآكُل فى جنوب لبنان.
 
تردَّد قبل أيام أن دولاً أبدت قبولها لإخراج قادة المُقاومة؛ بمجرد أن تنضج ظروف التهدئة. ربما يُراهن «نتنياهو» على أنهم لن يذهبوا إلى تركيا وقد سعت لترقية العلاقات خلال السنوات الأخيرة، وكان يُفترَض أن يزورها قبل شهور لولا وعكته الصحية. ولعلّ إيران أبعد من المُغامرة باحتضانهم وتحمُّل الكُلفة المباشرة عن أنشطة الحركة مُستقبلاً. البديل أن يعودوا إلى سوريا بعدما تحسّنت العلاقات وغفر لهم «الأسد» انقلابهم عليه بعد 2011، أو إلى ضيافة الحزب فى الضاحية. الخياران يُوفّران مُتّسعًا لاصطيادهم بسهولةٍ وبطء. العقيدة الصهيونية تقطع بأنهم إن لم يُنهوا وجود الحركة؛ فلن يتنازلوا عن قائمة اغتيالات طويلة، ربما اكتملت وتُدرَس الآن مساراتُ تنفيذها. لكن إلى أن يتحقَّق ذلك ستكون طبقة الحكم فى «تل أبيب» على موعدٍ مع مسلسل هزائم نفسية مُتّصل الحلقات. مُجرّد بقاء القادة الذين ذبحوا دولة الاحتلال بجرّافةٍ ودراجة نارية معناه التسليم بالانكسار، والإقرار بأن فلسطين التى أزاحوها وراء ظهورهم مُنذ خمسٍ وسبعين سنة نهضت من رُكام النكبةِ أقوى ممّا كانت، وأنه لا سبيل لتصفية المقاومة دون اقتلاع القضية من الأرض، ولا سبيل لذلك طالما بقى الأعداءُ ثابتين، والديموغرافيا حيَّة، وأرحام الأمهات تُناضل بأكثر ممّا يُناضل المقاومون والمفاوضون.
 
عندما ذهب «ماكرون» فى لوثةٍ شعبوية إلى اقتراح تشكيل تحالف دولى ضد حماس، أو توسعة التحالف المُضاد لداعش حتى يشملها؛ كان فى واقع الأمر يُغلق قبضته مُسدّدًا ضربةً جديدة لنتنياهو. انتفض اليسار وانقسم اليمين وثار قيادات بالجمعية الوطنية ضد الأُطروحة الساذجة، وتململ الأُوروبّيون من توريطهم دون نقاشٍ واتفاق؛ فوُلِدت الفكرةُ ميِّتةً. كان الرئيس المُراهق يُقدّم دليلاً جديدًا على انعدام وزن فرنسا تحت إدارته، وخسارة موقعٍ جديد فى الإقليم بعد خسائره الفادحة فى غرب أفريقيا ولبنان؛ لكنه إلى ذلك كشف ضمنيًّا عن سقوط سرديّة الشيطنة وتزييف صورة الاحتلال، وأن الجبهة التى تكتّلت وراء النازية الصهيونية تتداعى، وتختمر خطاباتٌ جديدة ستجد نفسها مُضطرّة إلى تبنّيها. تعالت النزعةُ الإنسانية عالميًّا، وبعض الداعمين باتوا يبحثون عن مُوازنةٍ بين مُحاربة الفصائل وعدم مُعاقبة الغزّيين، وواشنطن تضع الرهائن أوّلاً، ثمّ أمن إسرائيل وتحييد إيران، وأخيرًا تأتى مسألة الحركة، وقد تقبل بقاءها تحت سقف السياسة أو تقليم المخالب. لم يكن مجلس الحرب حاسمًا بعد «طوفان الأقصى»؛ فضيَّع فرصة إنجاز أهدافه تحت غطاء الإجماع الإسرائيلى والجنون الغربى، وعادت اللهجة إلى الانضباط نسبيًّا؛ بعدما تبيَّن أنه لا يقف على رؤيةٍ واضحة، وليس فى حقيبته هدفٌ سياسى أو استراتيجية مُحكمة، وإنما يتحسَّس الأرض بتعثُّرٍ وارتباك، وينتظر تفاعلات الخصوم والأصدقاء؛ ليرسم خطواته فى ضوء التطوُّرات. كانت المحنة أكبر منه، وأسرع؛ حتى أنها فرضت منطقها وصارت تتسلَّط عليه، بدلاً من أن يُديرها أو يقبض على زمام المُبادرة. 
 
الحرب النفسية حاضرةٌ بكلّ ثقلها: فى أداء الدول العربية الوازنة، وفى ملف التهجير، والرسائل الخشنة بين الولايات المتحدة ومحور المُمانعة، والتحشيد العسكرى على كل الجبهات، والتحرُّكات الأُممية، والضغط الإعلامى وتغيُّر المزاج العالمى. لكن الأهم أن تصير رُكنًا أصيلاً فى أداء الفاعلين داخل «غزّة»، بدلاً من إرخاء ستارة القوّة على ضُعفاء القطاع؛ بينما تفترسهم آلة القتل الصهيونية المُتوحّشة.. النازى العبرى المسعور فى أضعف حالاته، ومهزوم نفسيًّا حتى النخاع. هذا وقت الاستثمار فى الضعف والمظلوميّة، وفى السياسة والدبلوماسية، وتنشيط آلة الدعاية وتقنيات التشكيك وخلخلة الجبهة الداخلية فى إسرائيل، وليس وقت الصواريخ البدائيّة على أسدود وعسقلان؛ إذ لا تُحقّق ردعًا ولا خسارة، وتُقدّم «سترة نجاة» للسياسى الغارق فى أوحال الفساد والإجرام. الحرب النفسية أقوى أسلحة الفلسطينيّين الآن؛ ليس وقت الضيف وأبو عبيدة وخطابيّات هنيّة ومشعل. تبدأ الحروب عندما تختنق السياسة؛ لكنها تنكشف مع أوَّل رصاصة. يقول صن تزو: «إذا كان عدوّك مُتفوّقًا بالقوّة تحاشاه»، والوسيلة الوحيدة لتعطيل الغطرسة الباطشة أن تُضرَب فى إيمانها بنفسها، وأن تستهدف قلب الجندى المُحترق بالقلق، بدلاً من الوقوف بصدرٍ عارٍ أمام سلاحه الحارق. ضربُ العقيدة أنجع من اللعب الضائع مع القبّة الحديدية؛ والعدو يتحمَّم بالفعل فى بحرٍ من الريبة والعار وفقدان الثقة؛ لا حاجة للتصويب عليه، يكفى أن تُسلَب ملابسه ويُدفَع إلى الميدان عاريًا؛ والآن هو عارٍ بالفعل، ومُكلَّل بالعار أيضًا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة