تكمن ماهية الأمن القومى فى منعة الدولة ضد أى تهديدات أو مخاطر، ومقدرتها على حماية مصالحها الحيوية على المستويين الداخلى والخارجى، والدفاع عن نسقها القيمى، بما يحفظ هويتها، وتحقيق أهدافها التنموية الشاملة بأبعادها ومجالاتها (السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأيدولوجية، والبيئية، والمعلوماتية) ومستوياتها المتعددة، بما يدعم الاستقرار الاجتماعى والسياسي؛ بالإضافة لسيادتها على ربوعها برًا، وبحرًا، وجوًا، وفضاءً، بما يحفظ أمنها وأمانها وبقائها.
وقضية الأمن القومى لها من الأهمية بمكانة لدى دول العالم قاطبة؛ فلا أمن ولا أمان ولا تنمية ولا استقرار ولا نجاح فى العلاقات الخارجية بعيدًا عن تحقيق غايات الأمن القومى للدولة؛ برغم ما قد تمتلكه من مقومات مادية أو ثروات بشرية أو موقع استراتيجى أو حتى قوة عسكرية مدمرة؛ حيث إن الأمن القومى يعمل بشكلٍ متوازٍ على تأمين كيان الدولة بصورة منظمة ومتسقة تحقق السياج الأمنى ضد المخاطر وتأمين المصالح داخليًا وخارجيًا، وهو ما يسهم فى تهيئة المناخ الداعم للتنمية الاقتصادية، ومن ثم يحقق الرضا المجتمعى واستقراره المنشود.
ويعتمد الأمن القومى المصرى على استراتيجية عبقرية قامت فلسفتها على قراءة المشهد العالمى وتغيراته الجارفة فى شتى المجالات، وفى مقدمتها ما طرأ على النسق القيمى لكثير من الشعوب والمجتمعات؛ فساعدت على حد الصراع وتنوع آلياته، ومن ثم حرصت الدولة المصرية ممثلة فى قيادتها الرشيدة على أن تتمسك بالقيم المجتمعية المصرية الأصلية، التى تؤدى لحالة من التماسك والترابط والتضافر والتلاحم أثناء مواجهة التحديات والأزمات والمساعى الراغبة فى النيل من الأمة المصرية على وجه الخصوص، وإضعاف الأمة العربية بشكل عام.
وقد انصبًّ اهتمام الأمن القومى المصرى على إعادة الثقة التى ساهمت حروب الجيل الرابع والخامس على إضعافها؛ بغرض استبدال النزاعات والصراعات الخارجية بفتن داخلية تحقق ذات الغرض، وتؤدى إلى إشاعة الفوضى، وتأجج الحروب النفسية؛ لتصل إلى غايتها الرئيسة المتمثلة فى الاقتتال الأهلى، وفق مخطط تقسيم المجتمع المصرى لفئات وجماعات وشيع يحمل كل منها أجندة ممولة لها ملامح من يقوم بتمويلها من الخارج.
ومن هذا المنطلق الجلى وفى ضوء ما مرت به الدولة المصرية وشعبها العظيم من أحداث متتالية لثورات الإصلاح والتصحيح؛ فقد تبين بما لا يدع مجالًا للشك أن الأمن القومى المصرى قضية مشتركة بين شعب يمتلك الوعى والعزيمة والرغبة فى النهضة ومؤسسات الدولة وقيادتها المخلصة، ومن ثم يستطيع الوطن أن يستكمل إنجازاته ويحقق جودة الحياة المأمولة لشعب عظيم واعٍ.
ولا ينفك الأمن القومى المصرى عن اهتمام الدولة المباشر بتدعيم القوى العسكرية لديها؛ إذ أنها قوة الردع والدفاع التى تحمى مقدرات الدولة من خطر استخدام الآخرين للقوة ضد المصالح المصرية، أو من يستهدفها بالغزو، أو يؤثر بشكل مباشر على مصالحها القومية، وهذا لا يعنى أن الأمن القومى يتمحور فقط حول القوة العسكرية؛ لكنه يشمل حالة الاستقرار المجتمعى التى تسهم فى تحقيق التنمية بمساراتها ومجالاتها المتعددة والشاملة، بما يحقق تعددية الموارد وتوفير مقومات الحياة الكريمة وصولًا للرفاهية التى تنشدها الشعوب وتطمح فى تحقيقها.
ويواجه الأمن القومى المصرى تحديات عضال، يأتى فى مقدمتها التحديات الاقتصادية؛ حيث سارعت الدولة وقيادتها الحكيمة فى مراجعة البرنامج الاقتصادى للدولة وقامت بتصحيحه، فحررت سعر الصرف للعملات الأجنبية، ورفع الدعم عن السلع غير الأساسية، وطورت التشريعات بما أسهم فى جذب الاستثمار على المستويين المحلى والدولى، وأقيمت أطر وبروتوكولات التعاون الاقتصادى مع كثير من الدول العربية والأجنبية؛ بالإضافة إلى تدشين المشروعات الاقتصادية القومية فى العديد من المجالات الصناعية سواءً من قبل الحكومة على المستوى الرسمى أو بالشراكة مع القطاع الخاص الداخلى والأجنبي.
وفى خضم التحديات التى واجهت الأمن القومى المصرى حقق الشعب المصرى نتيجة لثورتى الإصلاح والتصحيح مكاسب سياسية عضدت المناخ الديمقراطى فى البلاد بكل قوة؛ فتبدلت حالة الضعف بالمشاركة الانتخابية لحالة الإقبال والحرص على الإدلاء بالصوت الانتخابى عبر صناديق الانتخابات ليختار الشعب من يمثله على المستوى البرلمانى والرئاسي؛ لتبرز على الساحة المصرية نخب سياسية متميزة تؤدى أدوارها بكل كفاءة، وهذا ما فتح الباب أمام من يمتلك مهارات ومقومات القيادة أن يتولى المناصب التنفيذية بمؤسسات الدولة المصرية؛ ليحقق التطوير والنهضة المنشودة بهذه المؤسسات.
وفى سياق متصل استهدف الأمن القومى المصرى تحقيق المعادلة الصعبة بمسألة المشاركة السياسية الفاعلة؛ إذ سمحت الدولة بتدشين الأحزاب والكيانات الشبابية ومنظمات المجتمع المدنى التى تعمل مجتمعة على تحقيق هدف رئيس يتمثل فى نهضة الدولة والارتقاء بها، مع التباين المشروع فى الفكر والاستراتيجية بما لا يؤدى إلى الخلاف؛ لكنه يؤدى إلى الاختلاف المحمود الذى يظهر مسارات الابتكار والتميز والتنافسية والريادة، ولا ننكر بحال الدور التوعوى والتثقيفى الخاص بالمسار السياسى على المستوى الرسمى وغير الرسمى بما ساهم فى تنمية الوعى السياسى لدى المجتمع المصرى، وفى هذا المقام الضيق يصعب أن نحصى أهمية الأمن القومى المصرى، وللحديث بقية.. ودى ومحبتي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة