بدأ الإسرائيليون في التظاهر مطالبين برحيل نتنياهو بعد كل الخسائر التي سببها، ولكن من مصلحة نتنياهو أن يطيل أمد الحرب في غزة ، وأن يقدم نفسه كل يوم في شكل القائد الذي يزور جبهة القتال ويشجع الجنود ، ويطالعنا في مؤتمراته الصحفية مع وزير دفاعه ورئيس أركان جيشه ، يتوعد ويكذب ويضلل ، ومن مصلحته أن يستمر القتال والدمار وتظل الحرب دائرة بلا نهاية، أو كما أعلن من قبل هو ووزير الدفاع أن الحرب لن تكون قصيرة بل ربما تمتد حتى عام، وبدلا من أن يرحل هو وحكومته ، وبدلاً من أن يقف في قفص الاتهام في أربعة قضايا تمس ذمته المالية وتتهمه بالفساد- بدلا من كل هذا هو ينجح في أن يدفع شعبه للعيش في حرب ورعب لا يجوز معهما مطالبته بالرحيل ، وهذا يعني أن هناك شيئا ما يتم تدبيره أكبر من كل ما نراه .
نظرية المؤامرة واردة جدا خصوصاً مع إسرائيل، التي قامت واستمرت كنموذجا واضحا وصريحا لنظرية المؤامرة ، ولكن يوما ما ستنتهي فصول مأساة غزة، وستهدأ العاصفة عاجلا أو آجلا، وحينها فقط ستتضح الكثير من الأمور، وحينها سنعرف إن كان كل هؤلاء الشهداء الذين سقطوا واقتربوا من العشرين ألفا حتى الآن، والمصابون الذين بلغوا 46 ألف مصاب ، والنازحين الذين بلغوا 80٪ من السكان هل كان الأمر يستحق كل هذه التضحيات أم لا ؟ أم أن دماء وأرواح كل هؤلاء كانت جزءا من تلك المؤامرة ، ومن الأطراف المتورطة فيها !
ربما لو انتهى الأمر إلى مفاوضات، أو حتى تحسن طفيف في أوضاع الفلسطينيين – وهذا ما نأمله - فهذا يعني أن ثمنا معقولا على الرغم من فداحته كان يجب على الفلسطينيين دفعه ، لأنهم أصحاب القضية والأحق بالنضال ، وقد دفعوه بالفعل طوال الفترة الماضية منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، وأن ما قامت به حركة حماس هو عمل وطني جليل ، ومن أجله تهون الأرواح والدماء والأنفس ، والقضية تستحق . ولكن لو لا قدر الله انتهى الأمر كما تريد إسرائيل وكما تروج ، وكما تثار مخاوف الكثيرين وتم تهجير أهالي غزة ولحقوا بأهاليهم الذين سبقوهم في الشتات منذ عام ١٩٤٨ ، فهذا يعني أننا جميعا كنا ضحية مؤامرة محبوكة العناصر، الغرض منها تفريغ القطاع لأسباب عدة يتناقلها بعض المحللين، بعضها خاص بالغاز في البحر المتوسط أمام غزة ، وبعضها باستغلال المنطقة اقتصادياً وعنل ممرا اقتصاديا لصالح إسرائيل ، وربما أسباب أخرى لا نعلمها قد تظهر مع الأيام .
الأيام وحدها ستثبت الحقيقة التي نتمنى أن تكون عند حسن ظننا ، حتى نغلق الصفحة السوداء في تاريخ حركة حماس ، وعفا الله عما سلف ، ونفتح بعدها صفحة بيضاء، قد يتجاوز فيها الفلسطينيين عن كل ما حدث ، أو سيكون ما حدث هو عار وخيانة يلحقان بالحركة ويقضيان على ما تبقى من عمرها .
لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه القضية الآن هي وجود قيادة فلسطينية موحدة، تستطيع أن تعبر بالقضية الفلسطينية تلك المرحلة الصعبة، التي من المفترض أنها مرحلة مفصلية ، بعد أن أصبحت معظم دول العالم تدرك هول المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الذي ظل لعقود يعاني الظلم وتصدير صورة مشوهة عنه، إلى جانب معاناته من الاحتلال، وقد شاهدنا كيف لرؤساء دول كبرى يتعاطفون مع إسرائيل لدرجة الكذب ، لكن الضغط الشعبي الهائل دفعهم للتريث أحيانا، وللتراجع أحيانا أخرى !
إسرائيل توقفت فيها الحياة، وفقدت الأمن، وفي كل يوم تفقد قتلى وجرحى، ولو عوضتها الولايات المتحدة وأوروبا ماديا فلن تعوضها عن قتلاها، وبالتالي، فلابد أن تكون هناك خطوة جديدة على طريق التفاوض، وعلى العرب والفلسطينيين أن يكونوا مستعدين لهذا اليوم الذي دفع فيه الفلسطينيون ثمنا باهظا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة