سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 ديسمبر 1904.. وفاة الشاعر الثائر محمود سامى البارودى رائد نهضة الشعر العربى الحديث وأول من فكر فى تحويل نظام حكم مصر إلى جمهورية

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 12 ديسمبر 1904.. وفاة الشاعر الثائر محمود سامى البارودى رائد نهضة الشعر العربى الحديث وأول من فكر فى تحويل نظام حكم مصر إلى جمهورية محمود سامى البارودى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى صحوة الموت وعلى فراش مرضه الأخير، استجمع الشاعر محمود سامى البارودى ما بقى له من قوة، وضم إليه قيثارة الشعر يودعها ويغنى عليها اللحن الأخير فيقول: «أنا مصدر الكليم النوادى/ بين الحواضر والبوادى/ أنا فارس، أنا شاعر/ فى كل ملحمة ونادى»، ثم يردف الحديث عن نفسه بحديث عن وطنه، فيقول للمقربين إليه: «هل سمعتم بإنسان شكر الله على العمى، أنا ذلك الشاكر، فقد جنبنى الله رؤية الاحتلال، وقد ضرب بجرانه على بلادى»، حسبما يذكر الدكتور على الحديدى فى كتابه «محمود سامى البارودى شاعر النهضة».
 
وفى 12 ديسمبر، مثل هذا اليوم عام 1904، توفى «البارودى»، ويذكر «الحديدى»: «اهتزت مصر من الأسى والفجيعة، وقد فقدت فى البارودى ابنا من أعز أبنائها، ورائدا لنهضة أصيلة فى الشعر، وفنانا بعث الروح فى الأدب العربى كله، ومجاهدا ثائرا حاول أن يخلص وطنه من ظلم الاستبداد ويمنحها الحرية والاستقلال»، وكانت وفاته بعد 5 سنوات من عودته إلى مصر فى أول سبتمبر 1899 بعد أن قضى فى المنفى 17 عاما، مرت ثقيلة عليه وعلى زملائه السبعة زعماء الثورة العرابية المنفيين إلى جزيرة سيلان بعد الهزيمة من القوات الإنجليزية فى التل الكبير، 13 سبتمبر 1882.
 
«آمن بالثورة فدفع لها عمره وأمواله كنموذج للوعى حين يغير الإنسان»، بوصف صلاح عيسى فى كتابه «الثورة العرابية»، وحين قبض عليه «ظل على موقف الشرف والإباء الوطنى، كريم الأصل والعنصر، فلم يطعن الثورة من الخلف، ولم يغدر بزملائه، ولم يستجب للوقيعة بينه وبين عرابى أمام لجنة التحقيق» بتأكيد على «الحديدى»، مضيفا: «ولد البارودى فى القاهرة يوم 6 أكتوبر 1839، وشغف بقراءة التاريخ والشعر، واستهواه قراءة شعر الفرسان والعيش معهم فيما يقرأ، فيحملون الزمن بخيالهم وتصويرهم، وكتب الشعر فأصبح إمام الشعراء المحدثين ورائد النهضة فى الشعر العربى الحديث».
 
ومع إبداع الشعر بحث «البارودى» عما ينتشل مصر من كبوتها السياسية، فأسس مع آخرين الحزب الوطنى فى عهد الخديو إسماعيل، وفقا لتأكيد ألفريد بلنت فى كتابه «التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر»، ترجمة عبدالقادر حمزة، مراجعة الشيخ محمد عبده، مضيفا: «هو أول من فكر فى قلب نظام الحكم فى مصر وتغييره إلى جمهورية، وأغراه إسماعيل بأن يترك الحزب الوطنى، وعرض عليه المال لكنه رفض، وهو ينفق جميع إيراده الضخم على الحزب».
أصبح وزيرا للحربية ورئيسا للوزراء ومن قيادات الثورة العرابية، وفى المنفى وفى الستين من عمره عام 1899 هاجمته الأمراض وهدده العمى، وقررت جمعية الأطباء فى سرنديب ضرورة عودته إلى وطنه، لأنه سيصاب بالعمى إن ظل فى الجزيرة، وحسب «الحديدى»: «تقدم بالتماس إلى الخديو عباس الثانى، وألقى الشيخ محمد عبده بكل ثقله ومساعيه لينقذ صديقه وتتكلل المساعى بالنجاح»، وعاد يوم 12 سبتمبر 1899.     
 
تواكب المواطنون ومن بقى من رفقاء الجهاد لتحيته، ويؤكد «الحديدى»، أن عشاق الأدب والشعراء وأهل الفكر والعلماء توافدوا عليه لتهنئته، وتحولت داره فى باب الخلق، منذ عام 1901، إلى منتدى للأدباء والشعراء والمفكرين، وتردد عليها شعراء أشهرهم، إسماعيل صبرى، أحمد شوقى، خليل مطران، حافظ إبراهيم، حفنى ناصف، محمد إبراهيم هلال، حامد خلوصى، حسن حمدى، عبدالمحسن الكاظمى، مصطفى صادق الرافعى، والشيخ محمد عبده، ومحمد رضا، وغيرهم.
 
فى هذه الندوة وحسب الحديدى: «أخذت مدرسة النهضة ترسى قواعدها، وفى هذه الدار واصل تنقيح ديوانه الشعرى لطبعه، وكان يملى على كاتبيه - الشيخ ياقوت المرسى والشيخ عطية حسنين - بعد أن كف بصره فى أيامه الأخيرة ما شاء من تغيير وتنقيح، وظل يرتب الديوان حسب قوافيه حتى أكمله فى 5313 بيتا غير قصيدة «كشف الغمة فى مدح سيد الأمة» وأبياتها 447 بيتا، وكذلك شغل نفسه بمختاراته، فاختار ثلاثين ديوانا، وانتخب منها ما رق لفظه ودق معناه وخلا من الحشو والتعقيد، ورتب أسماء الشعراء على حسب مكانتهم وبدأهم بـ«بشار بن برد» رائد الشعر العباسى، لكن المرض سلط عليه فى منتصف 1904 ولم يطبع فى حياته، وطبعته زوجته أمينة يعقوب سامى فى عامى 1909 و1911.
 
فى الساعة الثانية بعد ظهر الثلاثاء 13 ديسمبر 1904، خرجت جنازته من داره فى باب الخلق، وأم المصلون عليه الأستاذ الإمام محمد عبده، ويقول صاحب المنار محمد رشيد رضا: إنه لم ير الشيخ محمد عبده صلى على ميت غير البارودى إلا مأموما، وينقل «الحديدى» وصف الشاعر خليل مطران للجنازة قائلا: «خرجنا نمشى وراء نعشه المحفوف بالإجلال، ونحن ننظر ذات اليمين وذات الشمال، فلا نرى بين الجمهور إلا كل مهتز العطف للشعر، فتطلع النفس إلى الحلال من السحر، والجميع قد نسوا منه الوزير رب الدولة، والفارس صاحب الصولة، وإنما بكوا ذلك الخلق الجليل فى ذلك الخلق الجميل، وذكروا الشاعر».
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة