انتهت عملية التصويت فى الانتخابات الرئاسية، مساء أمس، بمشاركة عشرات الملايين من المصريين، الذين توافدوا منذ اللحظات الأولى لبدء العملية الانتخابية، بحضور غير مسبوق من المصريين من كل الأعمار والفئات، فى مشاهد سوف يتوقف أمامها المحللون كثيرا من شكل وحجم المشاركة غير المسبوقة من المصريين بالخارج والداخل فى الانتخابات الرئاسية.
أعداد الناخبين التى شاهدناها فى الشوارع أمام اللجان على مدار ثلاثة أيام كبيرة للغاية، وتثير الكثير من التحليلات حول الرسالة التى يرسلها المصريون، وحسب ما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فقد وصلت نسبة التصويت إلى 45% عند منتصف اليوم الثانى من الانتخابات، وتضاعفت النسبة بشكل يجعل حجم التصويت فى الانتخابات الرئاسية غير مسبوق على مدى سنوات.
هذا الحضور الكبير للشعب المصرى، يشكل لحظة مهمة فى توقيت دقيق، ويرتب لمرحلة جديدة من الحياة السياسية، وأمل فى مواصلة السعى للبناء والتنمية وتوفير المزيد من الفرص، فى بلد واجه وما زال الكثير من التحديات والتحولات التى أطاحت ببلاد من حولنا، لم تتوفر لها تركيبة وإرادة الشعب المصرى، وقدراته على الفرز والتفهم، والتفرقة بين الخطوط والمسافات فيما يتعلق بالخطوات نحو الأمام.
انتهت عملية التصويت، وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات إغلاق الصناديق، وبدء عملية الفرز، تمهيدا لإعلان النتائج فى الموعد المحدد بحسب المواعيد المقررة والتى تم تطبيقها بدقة من قبل الهيئة، التى نجحت بشكل كبير فى تنظيم وتسهيل أكبر عملية تصويت على مدى سنوات، حيث أتاحت الهيئة الوطنية للانتخابات فرصا متساوية للمرشحين، كما وفرت لجانا كثيرة للمغتربين والوافدين، الذين تفرض عليهم ظروفهم التواجد بعيدا عن مقارهم الانتخابية.
الرئيس القادم، سوف يكون مدعوما بشعبية كبيرة وشرعية مؤكدة، ترتب مسؤوليات وتفرض تحديات، وتضع الرئيس أمام مسؤوليات كبيرة فيما يتعلق بالملفات الخارجية والإقليمية والأمن القومى، وأيضا الملفات الداخلية فيما يتعلق بالاقتصاد والمجتمع والمجال السياسى. وهناك جزء كبير تمت مناقشته فى الحوار الوطنى الذى عقد على مدى شهور، وشهد مناقشات ومداولات واقتراحات فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهى تجربة شهدت كثافة وتنوعا، وتمثيلا لتيارات سياسية واجتماعية.
وأتاح الحوار الوطنى بناء جسور للثقة بين الدولة والتيارات السياسية والأهلية من جهة، وبين هذه التيارات والأطراف من جهة ثانية، ونجح الحوار الوطنى فى إتاحة الفرصة للتيارات المتنوعة للتعبير عن آرائها، ومثلت التوصيات ما يشبه أجندة عمل للمرحلة القادمة.
وعلى مدى سنوات قطعت مصر مراحل متعددة، وواجهت إرهابا ومحاولات تهديد وجودية لحدودها وأمنها، انتصرت عليها بما يفتح الباب لخطوات ربما تم تأجيلها بسبب حرب الدولة والمجتمع للإرهاب، ومحاولة بناء أسس الاقتصاد والعمل العام، والآن يمكن أن تسمح أوضاع الاستقرار بالمزيد من الخطوات، وخلق نقاش سياسى حول الأولويات، وفتح الباب لمشاركة أوسع وملء فراغ يفترض أن يكون غير موجود، ولدينا الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى شاركت فى وضعها تيارات واتجاهات مختلفة، وتتضمن كل نقاط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحريات الرأى والتعبير، وبالتالى نحن أمام نصوص كثيرة جاهزة ومتوافق عليها، ويمكن أن تكون منطلقا لعمل جاد يتيح المزيد من القدرات ويفتح المجال لتوسيع المشاركة.
وفيما يتعلق بالاقتصاد، فإنه يتحمل الكثير من التنوع فى وجهات النظر، والسعى لأفضل طرق الإنفاق والتدبير، وخلق فرص عمل حقيقية من خلال البناء على ما تحقق فى توسيع الصناعة والزراعة، باعتبارهما أساس خلق ومضاعفة القيمة المضافة وفرص العمل، مع توسيع مشاركة القطاع الخاص، وفتح المجال للمنافسة، ومنع الاحتكار، ومضاعفة الرقابة وأدوات تنظيم اقتصاد السوق فيما يتعلق بتوازن السوق والأسعار.
الشاهد أن الشعب المصرى وجه رسائل مهمة بالحضور الكثيف وغير المسبوق أمام صناديق الانتخابات الرئاسية، ثقة فى الدولة، وأملا فى المستقبل والقدرة على مواجهة التحديات بوحدة وتنوع، كما ترتب هذه الانتخابات على الأحزاب والتيارات السياسية والأهلية المزيد من العمل والالتحام والتفاعل مع الشارع، وتقديم كل ما من شأنه تسهيل حياة المواطنين، ومنحهم الفرص المتكافئة والمشاركة الفعالة.