إن الحفاظ على الأراضي المصرية وفرض سيادة الدولة والقانون على ربوعها، وشيوع حالة من الاستقرار المجتمعي الداعم للتقدم والنهضة، وضمان بقاء المؤسسات وتطورها بسواعد ثروة البلاد البشرية؛ لهو صيانة لكيان الدولة بكل ما بها من مقدرات، ومن ثم تصبح حماية المجتمع وقيمه ومؤسساته وحدود الوطن الجغرافية مسئوليته النظام السياسي للدولة؛ لذا هذا الأمر يأتي في مقدمة خصائص الأمن القومي المصري.
ونلاحظ أن ممارسات القيادة السياسية المصرية تجاه المنطقة فاعلة؛ حيث هناك حرص واضح تجاه عقد الشراكات وتنويع أطر التعاون في شتى المجالات وتبادل الخبرات وفتح مسارات الاستثمارات في مجالاتها المختلفة، كما عضدت الدولة ومؤسساتها تحت رعاية قيادتها السياسية علاقاتها المتوازنة مع المحيط الدولي؛ فصارت علاقتها إيجابية، وتوخت الحذر من صور الاستقطاب والتحالفات غير المحسوبة، التي تجعل الدول في مرمى التحديات والمشكلات والأزمات التي لا تنتهي إفرازاتها.
ومن خصائص الأمن القومي المصري تأكيده على ماهية المواطنة والتي ترتبط بصورة الولاء والانتماء لتراب الوطن، وقد ترجم ذلك باصطفاف الشعب ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية خلف القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ ليتخذ ما يلزم من إجراءات تحقق الحماية للدولة وتصون ترابها، وهذا الأمر لا ينفك مطلقًا عن جاهزية الدولة العسكرية ومسارها التنموي تجاه الاقتصاد؛ الدولة ذات السيادة دومًا ما تعتمد في تحقيق غاياتها العظمى على معيار رئيس يتمثل في المسئولية المشتركة التي تقع على الجميع دون استثناء.
وحري بالذكر أن دول العالم تمر بمتغيرات تجاه أمنها القومي؛ فقد تضحي الدولة في حالة تماسك وثبات ومقدرة وكفاءة تحقق هذا الأمن، وقد يعتريها تغيرات طارئة تشكل تهديدات ومخاطر قد تكون مؤقتة، ومن ثم يعد الأمن القومي للدول متغيرًا وليس ثابتًا، وهذا يؤكد على مبدأ مهم ينبغي أن يرسخ في الأذهان يتمثل في الوعي بأهمية الوطن وضرورة التماسك والتضافر والترابط حال التحديات أو الأزمات بمختلف أنماطها، وللمصريين صولات وجولات في هذا المضمار، ونفصح إذ نقول إنه سر قوة الدولة وبقائها.
ونهضة التنمية الشاملة يصعب أن تحدث أثرًا مستهدفًا بعيدًا عن توافر بُعد الأمن القومي، وهذا ما جعل أولوية قائد الدولة وتركيزه على تحقيق العمق الأمني بصورة استراتيجية تشمل الجانب العسكري والاجتماعي ومن ثم يأتي الجانب الاقتصادي الذي يوفر مقومات الحياة وجودتها لشعب يتحلى بالرضا والصبر، والرؤية الثاقبة لمجريات الأحداث على مستوييها الداخلي والخارجي.
ومنذ أن زال النظام السلطوي القائم على السياسة المزيفة؛ فطنت قيادة الدولة الرشيدة تجاه مُسَلّمة البعد السياسي في تحقيق ركائز الأمن القومي؛ حيث رسخت وفق آلية شفافة ومركزة صورة المشاركة السياسية ومدى أهميتها من قبل جموع الشعب، بما يؤكد المسئولية ويقوي دعائم الديمقراطية ويؤكد مسارات الرأي الحر المسئول عن بناء الدولة ونهضتها؛ ليتصدى لكافة صور الشائعات المغرضة التي تنال من رموز الدولة وتستهدف إيقاف إنجازاتها العظيمة.
وهناك الرابطة المجتمعية التي تستظل مؤسسات الدولة وكياناتها في سياجها؛ حيث يسهم البعد الاجتماعي المتمثل في عشق المواطن لتراب وطنه وعمل بإخلاص من أجل رفعته، في وسط اجتماعي يمتلك قيم الولاء والانتماء، والتي بهما يواجه الصعوبات والتحديات ويدحض الفكر المنحرف بكل صوره، ويخلق حالة من الهمة التي تدفع المواطن لأن ينمي من قدراته ويبذل الجهود المخلصة في مضمار عمله، وهذا يتناغم مع ما تقوم به الدولة من توفير لمتطلبات الحياة الأساسية التي تؤدي لتوازن مجتمعي تترجمه الحياة الكريمة، وتعكسه حالة الرضا المجتمعي التي تصقل ركائز الأمن القومي.
وشواهد الأمور تؤكد حرص الدولة المصرية تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه الاهتمام البالغ بالبُعد الثقافي؛ حيث العمل المؤسسي الممنهج تجاه المحاولات المستعرة التي تستهدف تشويه الفكر في عالم مفتوح خاصة لمجتمع الشباب الذي يعد ثروة البلاد وعماد تقدمها ونهضتها، ومن ثم تغيرت الاستراتيجية الوطنية سواء الإعلامية أو التعليمية في نشر الفكر الرشيد أو القويم الذي يعضد الهوية المصرية صاحبة الثقافة المتجذرة والتاريخ المشرف، وهذا غاية الأمن القومي في بعده الاجتماعي.
لكن القائد الجسور الفقيه ببواطن العسكرية صاحبة الشرف والعزة والمبادئ، ارتأى منذ توليه مقاليد الحكم ما لم يتفق مع الجميع حينها؛ إذ قام بتسليح الجيش بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية، وحرص على رفع كفاءته القتالية التي تجعله على جاهزية تجاه ما قد يواجه الدولة ومؤسساتها ومقدراتها وكافة ربوع الوطن من مخاطر أو تهديدات من أية جهة معادية، ونقول بكل وضوح إن البعد العسكرية يعد البُعد الأكثر أهمية لتحقيق الأمن القومي المصري.
ولا مناص عن النسق القيمي لمجتمعنا المصري الأصيل؛ فبه نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا في عالم متير تحكمه معايير وقواعد النفعية البحتة والتي لا تتفق مع المكون الوجداني لدينا كمصريين؛ لذا تدافع الدولة بكل ما أوتيت من قوة وبأدواتها الفاعلة على تعضيد هذا النسق والحفاظ عليه، وتضرب بيد من حديد على يد من يحاول العبث به بشتى الصور؛ لارتباطه بالأمن القومي المصري واعتباره ضمانة لتماسك النسيج المجتمع ضد المحاولات المغرضة بكل تنوعاتها.
وكما أن البعد المعنوي أو الوجداني سالف الذكر مهمًا؛ فلا يقل عنه البعد البيئي الذي يستهدف الوعي بفقه القضايا البيئية؛ فيستحيل أن تتم النهضة ويحدث التقدم والرقي بعيدًا عن بيئة صحية آمنة خالية من صور التلوث الذي يهدد الحياة بكل مكوناتها؛ لذا بات الحفاظ على مقدرات الدولة المادية والبشرية مرتبطًا بالحد من التغيرات والتهديدات المناخية، واعتبر التلوث ومسبباته مهددًا للأمن القومي.
حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
______________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر