كثيرة هي المقاطع المصورة التي تحملها وسائل التواصل الاجتماعي يوميا في شتى الموضوعات، لكنها كانت أكثر تركيزا في الشهرين الماضيين حول طوفان الأقصى واجتياح غزة، وحملة الإبادة ومحاولات التهجير التي يحاولها جيش الاحتلال، وفي المقابل فقد كان لهذه المقاطع أثرها الكبير حول العالم، ذلك العالم الذي كان يسمع بالمذابح بعد حدوثها بفترات من قبل، ويسمع عنها من وجهة نظر واحدة هي التي اعتادت السيطرة على قنوات الإعلام التي كانت متاحة من قبل.
هذه المرة كان التغير النوعي الأشد على مدار تاريخ القضية الفلسطينية كاملا، فقد تعامل العدو مع ما يحدث بنفس شروط الجولات السابقة، وهو مطمئن لأنه سوف يسيطر كالعادة على السردية، لتكون وجهة نظره هي الثابتة في النهاية، لكنه لم ينتبه إلى أنها المرة الأولى التي يوجد فيها أعين أخرى جديدة تراقب وتنقل لحظيا كل ما يحدث ليس فقط بالكلمات لكن أيضا بالصورة الحية.
من هنا ستكون كل تبريراته التقليدية واهية، فالعالم يرى ويسمع لحظة بلحظة، وهو الأمر الذي أسهم في أن تجتاح العالم المظاهرات والاحتجاجات والتجمعات التي تطالب بوقف إطلاق النار وتحرير فلسطين، وهي التي تم نقلها في مقاطع مصورة أيضا أسهمت في نقل العدوى من بلد إلى آخر على الرغم من تجريم بعض البلدان للتظاهر ضد إسرائيل، لتكون تلك الموجة هي الأكبر على مدار خمس وسبعين عاما وكأن العالم قد أفاق من سباته وأعلن أنه لن يصدق بعد ذلك السردية الصهيونية.
مقطع واحد مصور توقفت عنده مليا، وعلى الرغم من قصر مدته التي لم تستغرق أكثر من دقيقتين لكنها كانت مدة كافية للتأمل والانزعاج الشديد، فهو مقطع لشخص تبدو عليه هيئة العالم، وهو إسرائيلي يتحدث عن دراسات يجريها أحد مراكز الأبحاث الإسرائيلية حول نسب التأييد والمعارضة حول العالم للقضية الفلسطينية، ويشرح أنه من 7 أكتوبر ولمدة أسبوع كانت نسبة المؤيدين لفلسطين 69% مقابل 31% يؤيدون إسرائيل، وأنه منذ الثالث عشر من أكتوبر تحولت النسب بشكل حاد إلى 95% يؤيدون فلسطين في مقابل 5% فقط يؤيدون إسرائيل مع زيادة العدد الكلي للفعاليات التي تتماس مع القضية.
انتهى الفيديو عند هذا الحد لكنه يوضح من ناحية هي الأهم أنهم قد بدأوا في دراسة الوضع بصورة علمية، وأن السؤال القادم الذي سوف يعدون له الخطط هو كيف يغيرون هذا الأمر، وهو ما لا أشك للحظة أنهم سوف يعملون عليه بقوة وباستخدام كل العلوم الممكنة للتعامل.
وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل حول ماذا أعددنا نحن لهذا الموقف، فنحن نحتاج أيضا على العمل على الاستفادة من الوضع الراهن والتغير النوعي الحادث في الرأي العام العالمي الذي يمكن أن يمثل ضغطا إيجابيا لصالح القضية الفلسطينية، نحتاج إلى توجيه مراكز أبحاثنا نحو دراسة هذه النسب وكيفية العمل على ثباتها أو زيادتها وألا يكون ذلك مجرد تأثير لحظي ينتهي بعد قليل.