كثيرا ما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها باعتبارها دولة تدافع عن الحريات والأخلاق، لكن الواقع أن العدوان على غزة، ينسف هذه الصورة الهوليودية عن الحرية والأخلاق والنموذج الأمريكى، ويجدد تقديم صورة الدعم الكامل للقتل والعنصرية والإبادة، بل إن الإدارة الأمريكية لا تنصت حتى للأصوات الداخلية فى الكونجرس أو داخل الإدارة الأمريكية، والتى تنبه إلى مخاوف على الصورة الأخلاقية للولايات المتحدة.
البابا فرانسيس قال الأسبوع الماضى، إن ما يحدث فى غزة يجعل عيد الميلاد «عيد ميلاد الألم» كما وصفه، وطالب المجتمع الدولى بـ«عدم ترك الفلسطينيين وحدهم»، ودعا المشاركين فى احتفالات عيد الميلاد «بالتضامن مع هؤلاء الإخوة والأخوات الذين يعانون كثيرًا» فى تلك المنطقة من العالم التى أصبحت تعانى من الصراع والحرب ، قائلا «لا نريد أن نتركهم بمفردهم»، وجدد الدعوة لوقف فورى إطلاق النار فى غزة، وقال: «بالحديث عن حقوق الإنسان، دعونا نحمى المدنيين والمستشفيات ودور العبادة ونطلق سراح الرهائن ونضمن المساعدات الإنسانية».
ما أعلنه البابا فرانسيس وأعلنته كل القيادات الدينية فى العالم، لا يجد انعكاسا لدى إدارة بايدن، الذى تتصاعد صورته عالميا كشريك فى قتل أكثر من 20 الف شهيد فلسطينى عمدا مع سبق الإصرار، وتواجه الإدارة الأمريكية ضغطا تجاه سياسة الدعم الذى تقدمه فى الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة وتعطل دعوات وقف إطلاق النار، بالرغم من غضب عالمى من الإبادة والأزمة الإنسانية غير المسبوقة وتجاهل حكومة نتنياهو ظاهريا لمطالب الإدارة الأمريكية بتقليل الخسائر فى صفوف المدنيين، بينما الواقع أن أمريكا تقدم كل الدعم ماديا وتسليحا للقتل.
فى الكونجرس دعا مشرعون ديمقراطيون بايدن للضغط على إسرائيل لتغيير مسارها أو الدفع من أجل وقف إطلاق النار، وطالبوا بفرض رقابة على المساعدات الأمريكية لإسرائيل، معربين عن مخاوفهم بشأن نقص المعلومات المقدمة مع استمرار الحرب فى غزة، وحسب «واشنطن بوست»، وجه النائب الديموقراطى جيسون كرو، عضو لجنة الشؤون الخارجية، رسالة إلى مديرة جهاز الاستخبارات الوطنية، أفريل هاينز قال فيها «إن مستوى الضحايا المدنيين، يعد خطأ استراتيجيا وأخلاقيا»، وتوافقت مع هذا رسالة من نواب ديمقراطيين إلى الرئيس جو بايدن، ترى أن الاستراتيجية العسكرية لحكومة نتنياهو ليست فى مصلحة الولايات المتحدة، ولا فى مصلحة إسرائيل، مع تزايد عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية لا تفيد فى تحقيق نتائج أو تضمن أمن إسرائيل.
هنا يبدو القلق على مصالح الولايات المتحدة، أكثر من الخوف على الصورة الأخلاقية لأمريكا، بينما تزاد أكثر الصورة الخطرة لنتنياهو، الذى يتفق المحللون - حتى داخل إسرائيل - أنه يمثل خطرا على إسرائيل وعلى العالم، وان استمرار دعمه من قبل إدارة بايدن يمثل خطرا إضافيا، لان الإدارة الأمريكية تدعم استمرار نتنياهو حتى لو على حساب مصالح أمريكا نفسها.
هذا عن الولايات المتحدة، وحتى داخل الحلف الأمريكى، هناك أطراف تشير إلى خطر استمرار العدوان وقتل المدنيين من دون نتائج، واتساع التظاهرات العالمية ضد العدوان وتضامنا مع الفلسطينيين، وهى تظاهرات تكشف عن تحولات فى تعامل الأوروبيين مع القضية الفلسطينية، خاصة أن المحتجين ليسوا كلهم من العرب أو الأصول العربية لكنهم مواطنون أوروبيون، وقد لا تكون لهذه المواقف تأثيرات كبيرة لدى صناع القرار، لكنها تشير إلى تغيير قد يسهم فى إعادة تقديم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية شعب سلبت منه أراضيه، ومن حقه أن تكون له دولته.
القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة، ومن الصعب إنكار قوة وتماسك الفلسطينيين، وفشل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، لكن أهم ما يكشفه العدوان أنه ينسف الأخلاق الهوليودية الأمريكية لصالح صورة الفاعل والشريك فى إبادة غزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة