حرب شرسة يخوصها العدوان الإسرائيلى بوحشية على غزة، يستبيح حياة الفلسطينيين وأرواحهم، ويقتلهم بدم بارد، على سمع العالم وبصره، ومؤسساته القائمة على حماية الحق في الحياة، ويحكم على المواطنين بالإعدام، دون ان يفرق بين طفل ومسن أو إمراة، وكأنهم حسب سياسته وثقافته لا يستحقون الحياة.
رائحة الموت تفوح من كل مكان فى القطاع، صرخات الأطفال تعلو وتصيح "أوقفوا الحرب"، الحرب التى تقتل طفولتهم البريئة، وتسرق أحلامهم وتدمر بيوتهم أمام أعينهم، وتحصد أرواحهم الصغيرة ، صرخات تأتى عالية لتطغى على كل شىء.
أطفال غزة
مشاهد كثيرة تعمق الجراح وتزلزل الضمائر والقلوب للإجرام الإسرائيلى والإبادة الجماعية بحق الجميع وخصوصا الأطفال الذين يتصدرون مشهد الحرب الشرسة على قطاع غزة، ويدفعون الثمن أرواحهم وبراءتهم، في القصف والتشريد والهدم المتواصل للمنازل والمدارس والمستشفيات يقتلون جميعا بدم بارد.
مأساة ومعاناة لأطفال غزة، إما أم يستشهدوا أو يعيشوا مصابين بإعاقات دائمة أو ملامح مشوهة، فأكثر من نصف شهداء قطاع غزة أطفال، حيث وصفت الأمم المتحدة غزة بأنها "مقبرة للأطفال"، وقال تقريرا لمراسل اندبندنت المختص بشؤون الشرق الأوسط ريتشارد هول " هو رقم كبير للغاية لدرجة أنه يحجب مأساة كل واحد منهم لكن الواقع أسوأ من ذلك بكثير، ويعني حجم القتل أن الكثيرين لم يُمنحوا كرامة القبر، فقد دُفن بعضهم حيث عثر عليهم، ومازال آلاف آخرون تحت الأنقاض، كما قال تيدروس أدهانوم جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لمجلس الأمن، إن طفلا يقتل فى المتوسط كل عشر دقائق في قطاع غزة، محذرا من أنه "لا يوجد مكان آمن ولا أحد آمن".
أطفال غزة
حكايات مؤلمة تصف حجم المعاناة والخوف، فلكل طفل قصته التى ستبقى تفاصيلها حاضرة فى الذاكرة، وكحال العديد من قصص الألم الممتدة في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلى كانت حكاية الرضيعة الأميرة عائشة التى ولدت قبل أكثر من أسبوعين وسط الدمار في مستشفى بلا كهرباء جنوب قطاع غزة.
استشهدت الأميرة عائشة وشقيقها أحمد فى غارة للاحتلال على منزلهم في مدينة رفح أول أمس الثلاثاء.
وقالت جدتها سوزان زعرب، والناجية من الغارة إن عائلتها كانت نائمة عندما سوت الغارة مبنى سكنهم في رفح بالأرض قبل الفجر، واستشهد 27 فلسطينيا في الغارة منهم 13 شهيدا من عائلة زعرب بينهم الأميرة عائشة وشقيها أحمد البالغ من العمر عامين.
الدمار فى غزة
تقول جدتها "عمرها أسبوعين فقط ولم يتم تسجيل اسمها حتى"، كان صوتها يرتجف وهي تتحدث من جانب سرير ابنها في المستشفى، الذي أصيب أيضا في الانفجار.
نجا والدا الأميرة عائشة وأحمد، إذ أصيبت والدتهما ملك بحروق وكدمات في وجهها، بينما أصيب والدهما محمود بكسر في الحوض. وبينما كان محمود يرقد على سريره في المستشفى الكويتي برفح، أحضرت له سوزان طفليه لوداع أخير قبل دفنهما.
كان محمود يتألم بشدة وهو يسحب نفسه إلى مهد أحمد، ملفوفا بكفن أبيض، قبل أن يتراجع ويبكى. وكانت زوجته تحمل الأميرة عائشة.
وأدى العشرات من المشيعين صلاة الجنازة صباح أول أمس الثلاثاء خارج المستشفى في رفح، قبل نقل الأميرة عائشة وأحمد والآخرين الذين استشهدوا في الغارة لدفنهم في مقبرة قريبة.
أثار حطام القصف الإسرائيلى
ووفى جباليا أشار الأب المكلوم يوسف خليل إلى الجدران المثقوبة بالرصاص والمخضبة بالدماء، وقال إن جنديَين إسرائيليَين دخلا غرفة بمدرسة فى غزة كان ينام فيها بالقرب من عائلته، وأطلقا النار عشوائياً، مما أدى إلى سقوط 9 أشخاص، بينهم أطفال.
وتأتي روايته، التي يقول الجيش الإسرائيلي إنه يتحقق منها، بعد أن أثار قتل جنود إسرائيليين لثلاثة محتجزين فارين من الفصائل في غزة تساؤلات جديدة إزاء قواعد الاشتباك الإسرائيلية في الحرب التي أثبتت أنها استثنائية الفتك بالمدنيين.
وقال خليل إنه كان يحتمي مع عائلته في أوائل ديسمبر في مدرسة شادية أبو غزالة بمخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، حيث دار جانب من أشرس المعارك في الآونة الأخيرة.
ضحايا قصف غزة
وتساءل خليل: "كيف يطلقون النار على ولادي وأولاد أولادي أمام عيني؟!". وقال إنه كان نائماً حين دخل جنديان الغرفة، وأطلقا النار على الجميع.
ومضى يقول إن الجنديَين شرعا يطلقان النار في كل اتجاه، وعندما توقفا عن إطلاق النار كان يريد أن يخرج، لكنهما لم يسمحا له في البداية بالخروج من الغرفة.
وفى خان يونس، تصرخ الطفلة الفلسطينية ليان الباز "لا أريد أطرافا صناعية، ازرعوا لى ساقى" في كل مرة يوقظها الألم الحاد في المستشفى حيث ترقد وقد تملكها الرعب بعدما بُترت ساقاها فى عمليات القصف التي تحصد مزيدًا من الشهداء في قطاع غزة.
ترفض الفتاة البالغة 13 عاما في قسم الأطفال في مستشفى ناصر في خان يونس في جنوب قطاع غزة أن تتصور نفسها مع أعضاء اصطناعية، هذا إن تمكنت من الحصول عليها في القطاع الذي يفتقر إلى سبل البقاء الأساسية.
وتؤكد صارخة "لا اريد اطرافا صناعية، أريد أن يزرعوها ثانية ـ ليست مقطوعة تماما بإمكانهم اعادة زرعها".
وتروي قائلة "ذهبت لمنزل أختي بعد ولادتها طفلها الأول حتى اعتني بها، فجأة استيقظت ووجدت نفسي في المستشفى". وفي كل مرة تفتح عينيها مع تلاشي مفعول مسكنات الأوجاع ترى ساقيها المضمدتين.
وتتابع "الأطراف الصناعية يتم فكها، لا أريد ساقين يمكن فكهما، أريدهما ثابتتين"
دمار القصف على غزة
وتوضح والدتها لمياء الباز أن ليان أصيبت في قصف حي القرارة في خان يونس.
وتروي الوالدة البالغة 47 عاما أن القصف أودى بحياة ابنتيها إخلاص وختام وحفيدين أحدهما رضيع وُلد قبل أيام. وكانوا جميعا في منزل إخلاص التي وضعت مولودها للتو.
واضطرت الوالدة إلى التعرف على جثتي ابنتيها في المشرحة وتقول "كانت اشلاء. تعرفت على ختام من قرطها وعلى اخلاص من شكل أصابع قدميها.
الدمار فى غزة
وفى سياق متصل وبحسب تقرير أعلن عنه مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إنه تلقى تقارير تفيد بأن القوات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 11 فلسطينيا أعزل فيما يمكن تصنيفها جريمة حرب فى قطاع غزة.
وقال المكتب - في بيان صحفي اليوم- إن عمليات القتل نفذت فى حى الرمال في مدينة غزة هذا الأسبوع.
وأضاف أنه تلقى "معلومات مثيرة للقلق تفيد بأن القوات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 11 رجلا فلسطينيا أعزل، معتبرة أن هذه الحادثة "تدق ناقوس الخطر بشأن ارتكاب جريمة حرب"، مشيرًا إلى أن الرجال قتلوا أمام أفراد عائلاتهم.
وبحسب التقرير، فإن القوات الإسرائيلية أمرت النساء والأطفال بالدخول إلى غرفة "وإما أنها أطلقت النار عليهم أو ألقوا قنبلة يدوية داخل الغرفة، ما أدى إلى إصابة بعضهم بجروح خطيرة بينهم رضيع وطفل".
آلاف القصص والحكايات والتقارير لضحايا أبشع عدوان شرس على قطاع غزة، حيث أن حجم القصف في القطاع هو أحد المؤشرات العديدة التي توضح أن إسرائيل قررت أن هذه الخسائر البشرية المرتفعة بما في ذلك استشهاد الآلاف من الأطفال، هي ثمن يستحق أن تدفعه لتحقيق أهدافها العسكرية هناك".
ويبقى السؤال، لماذا يُقتل الكثير من الأطفال في المقام الأول؟، وكما قال مراسل الاندبندنت "إن هذه اللحظات تخبرنا شيئا عن حياة الصغار التى أزهقت في غزة لكنها لا تجيب على السؤال الأكبر: لماذا يُقتل الكثير من الأطفال في المقام الأول؟